أحكام السفر

 الحمد لله.

-السفر معلوم وجمعه أَسْفَارٌ، وَرَجُلٌ مُسَافِرٌ، وَقَوْمٌ سَفْرٌ وَأَسْفَارٌ وَسُفَّارٌ، وسمي سفرا لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافيا. وهو الخروج على قصد قطع مسافة القصر الشرعية فما فوقها.(الموسوعة الفقهية).
- يستحب لمن رغب في السفر أن يستشير أهل الخير والرأي، ويستخير ربه كما سبق وبينا في أحكام الاستخارة.
- يجب على من أراد السفر أن يؤمن لأهله المعونة مدة غيابه، فقد قال مولى لعبد الله بن عمرو:" إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس؟ فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ".(صحيح رواه أحمد).
- يستحب تشيع المسافر والخروج معه لمحل نقله، فعن سعد :"أن عليا خرج مع النبي ﷺ، حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال: أوما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ".(صحيح رواه أحمد).
-ويستحب للمسافر أن يدعو لأهله ولمن خلفه، قال رسول اللهﷺ: " من أراد أن يسافر , فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ".(حسن رواه الطبراني).وله أن يدعو بقوله:" أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم".(صحيح رواه أبو داود).
-ويستحب للمشيع كالأم أو الزوجة أن يدعو له، فعن أنس رضي الله قال : "جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني قال: زودك الله التقوى، قال زدني قال: وغفر ذنبك ، قال زدني بأبي أنت وأمي قال: ويسر لك الخير حيثما كنت".(صحيح رواه الترمذي).وله أن يدعو :" اللهم اطو له الأرض، وهون عليه السفر".(حسن رواه أحمد).ولا حرج في التوديع بباقي الألفاظ الحسنة.
-يستحب لمن أراد السفر أن يسافر يوم الخميس، عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله ﷺ يستحب أن يسافر يوم الخميس".(صحيح رواه الطبراني).
-ويستحب أن يكون ذلك باكرا لقوله ﷺ:" اللهم بارك لأمتي في بكورها".(حسن رواه أحمد).
-وله أن يسافر ليلا فهو جيد، قال ﷺ:"عليكم بالدلجة [أول الليل]، فإن الأرض تطوى بالليل".(صحيح رواه أبو داود).
- أما السفر يوم الجمعة فقد اتفقوا على حرمته إن كان بعد الزوال،أما قبل الزوال فذهب المالكية والحنابلة إلى كراهة السفر قبله، وقال الشافعية بالحرمة لقوله صلى الله عليه وسلم:" من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره".(ضعيف رواه الدارقطني).
وذهب الحنفية إلى جواز السفر قبل الزوال بلا خلاف عندهم وهو وقول عمر بن الخطاب والزبير بن العوام. فعن ابن أبي ذئب قال:"رأيت ابن شهاب يريد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة، فقلت له: تسافر يوم الجمعة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة".(ضعيف رواه ابن أبي شيبة)
وعن الأسود بن قيس، عن أبيه قيس قال:"سمعته يقول: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا قد عقل راحلته، قال: " ما يحبسك؟ قال: الجمعة قال: إن الجمعة لا تحبس مسافرا، فاذهب ".(صحيح رواه البيهقي).
وخصه بعضهم بالجهاد دون غيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فعن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، قال: فقدم أصحابه، وقال: أتخلف فأصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ألحقهم. قال: فلما صلى رسول صلى الله عليه وسلم رآه، فقال : " ما منعك أن تغدو مع أصحابك " قال: فقال: أردت أن أصلي معك الجمعة، ثم ألحقهم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أنفقت ما في الأرض، ما أدركت غدوتهم".(ضعيف رواه أحمد).
قلت : الراجح جواز السفر قبل الزوال، قال المباركفوري:" لم يثبت المنع عن السفر يوم الجمعة بحديث صحيح".(تحفقة الأحوذي).
أما بعد الزوال فقد وجبت عليه فلا نرى جواز سفره إلا في حالات :
الأولى: إذا خشي ذهاب رفقته، وكذا ذهاب الطائرة والنقل الجماعي إذا صلى الجمعة.
الثانية: إذا كان يمكن أن يأتي بها في طريقه.
الثالثة: إذا وافق ذلك اليوم يوم عيد وصلى العيد، فإن الجمعة تسقط عنه فله السفر بعد النداء الأخير.( نفح العبير.للعتيبي) و(المختصر في أحكام السفر.فهد العماري).
- وله السفر بزوجته، وإن كان له أكثر من زوجة أقرع بينهن عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه".(متفق عليه).
- لا يجوز للمرأة السفر وحدها إلا مع محرم لأي سفر كان،قال ﷺ:" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ".(رواه مسلم).
- إذا خرج من منزله قال:"بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي".(صحيح رواه أبو داود).
- لا يسافر وحده بل يتخير أهل الخير والصلاح،قال ﷺ :" لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ، ما سار راكب بليل وحده".(البخاري). ولو سافر وحده فلا حرج إن كانت الطريق مأمونة.
-لا يتفرقوا إن كانوا مجموعة، فعن أبي ثعلبة الخشني، قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله ﷺ: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، قال: فلم ينزلوا بعد منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى لو بسط عليهم ثوب لعمهم".(صحيح رواه ابن حبان).
- يستحب أن يجلعوا أحدهم مسؤولا، قال ﷺ::"إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".(صحيح رواه أبو داود).
- يستحب لمن ركب وسيلة نقل سواء كان في السفر أو في الحضر-لا كما يظن الناس أنه خاص بالسفر- ففي حديث علي :"فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله ,: الحمد لله , ثلاثا , والله أكبر , ثلاثا {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين , وإنا إلى ربنا لمنقلبون} , ثم قال: لا إله إلا أنت سبحانك، إني قد ظلمت نفسي , فاغفر لي ذنوبي , إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".(حسن رواه أحمد).
وله أن يقول:" اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى , ومن العمل ما ترضى , اللهم هون علينا سفرنا هذا , واطو عنا بعده , اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والحامل على الظهر.اللهم اصحبنا في سفرنا , واخلفنا في أهلنا.اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر والحور بعد الكور ومن دعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال والولد". (هذا الدعاء مجموع من روايات متفرقة كلها صحيحة).
- يستحب للمسافر الدعاء له ولأهله ولعموم المسلمين فهو وقت استجابة، قال رسول الله ﷺ:"ثلاث دعوات لا ترد..ودعوة المسافر".(صحيح رواه البيهقي).
- إذا صعد طريقا مرتفعا فإنه يكبر وإذا نزل سبح،فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " كنا إذا صعدنا كبرنا , وإذا نزلنا سبحنا ".(البخاري). ويكون ذلك سرا،فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال:"كنا مع رسول الله ﷺ، فكنا إذا أشرفنا على واد، هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا [ارفقوا] على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده".(متفق عليه).
-إذا وصل فيستحب له الدعاء، فعن صهيب:"أن رسول الله ﷺ لم يكن يرى قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيه".(حسن رواه ابن حبان).
- وإذا وصل في السحر [وهو آخر الليل] فيستحب له الدعاء، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ :"كان إذا كان في سفر وأسحر يقول:سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النا".(مسلم).
- إذا نزل فندقا فإنه يدعو لقول النبي ﷺ:"من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق , لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(مسلم).
- لا يحق للصاحب قيادة سيارة صاحبه إلا بإذن منه،عن بريدة قال:" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي جاء رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله، اركب وتأخر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، أنت أحق بصدر دابتك مني إلا أن تجعله لي. قال: فإني قد جعلته لك، فركب".(صحيح رواه أبو داود).
-يعين المحتاج بالطعام والمركب ونحو، قال ﷺ:" من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل".(مسلم).
-إن خاف شيئا فله أن يدعو بدعاء الخوف، عن عبد الله بن قيس، أن نبي الله ﷺ :"كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم".(حسن رواه أحمد).
- للمسافر الترخص برخص السفر إذا غادر البنيان [أي آخر بيت بمدينته] قال ابن المنذر:" وأجمعوا على أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج عن جميع البيوت من القرية التي خرج منها".(الإجماع)..
- إذا أذن عليه الظهر -مثلا- وهو في بيته وكان سيصل بعد خروج وقت العصر، فيجوز له صلاة العصر جمعا مع الظهر، تامة أربعا أربعا. وهذا ليس من رخص السفر لكن للحاجة،ن ابن عباس قال:"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة، في غير خوف، ولا سفر» قال أبو الزبير: فسألت سعيدا، لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته".(رواه مسلم).
- ورخص السفر هي: القصر.الجمع.الفطر.سقوط الجمعة..المسح على الخف 72 ساعة.صلاة النافلة على الراحلة.
- مسافة السفر مختلف فيها بين أهل العلم وذلك لاختلاف النصوص وفيها 20 قولا.
وذهب المالكية والحنابلة والشافعية إلى أن المسافة التي يجوز فيها القصر والفطر هي أربعة برد [80كلومتر] ولهم قوله ﷺ:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة".(متفق عليه).
وقولهﷺ:" يا أهل مكة ، لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان".(ضعيف رواه البيهقي).
وقال الحنفية أن مسافة السفر التي شرع لها القصر ثلاثة أيام ولياليها.لقولهﷺ:"لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم".(متفق عليه).
القول الثالث: أنه ليس هناك حد للمسافة ولا توقيت، المرجع في ذلك للعرف، فما سماه العرف سفرا صار سفرا يجوز قصر الصلاة فيه، وهذا هو اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية.واستدلوا بقوله ربنا{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة }. وقالو هذا مطلق.
قلت : كل النصوص الصريحة ضعيفة، والصحيحة غير صريحة، فلم يرد نص يدل على تحديد مسافة القصر. فقد ورد عند مسلم:"لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرم منها". وفي لفظ: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم". بل ورد مطلقا:" لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ".(متفق عليه).
- مدة السفر التي يترخص فيها برخصه محل خلاف،فعند المالكية والشافعية ثلاثة أيام تامة ولا يحتسب فيها يوم الدخول والخروج.قال ﷺ:"يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا".(متفق عليه). فثلاثة أيام لم تخرج صاحبها عن حد السفر. وعن عمر أنه:"ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاثة ليال يتسوقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال".(البيهقي).
وقيل لا حد له فما دام مسافرا فهو مسافر، ولهم قول ربنا:{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة }. وكذا اختلاف الروايات عن النبي ﷺ، قال ابن عباس:"أقمنا مع النبيﷺ في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة ".(البخاري).
وقال :"أقام رسول الله ﷺ بمكة عام الفتح خمس عشرة، يقصر الصلاة".(ضعيف رواه أبو داود).
وقيل إذا أقام أكثر من أربعة أيام فهو مقيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي ﷺ قد مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع، والخامس، والسادس، والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن، ثم خرج إلى منى، وكان يقصر في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها".(مسلم).
وقيل 15 يوما فعن ابن الحصين:": غزوت مع رسول الله ﷺ غزوات ، فلم يكن يصلي إلا ركعتين ركعتين ، حتى يرجع المدينة زاد زياد بن أيوب : وحججت معه ، فلم يصل إلا ركعتين حتى يرجع إلى المدينة ، وقالا : أقام بمكة زمن الفتح ثمانية عشر ليلة يصلي ركعتين ركعتين". (ضعيف رواه ابن خزيمة).
ويعلم أنه إذا سافر لقضاء غرض ومتى انتهى منه رجع فله القصر إجماعا ولو طالت المدة.
- أما النوافل فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى بعضها :
*الوتر : عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها؛ غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة".(متفق عليه).
*صلاة الضحى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :"أوصاني خليلي ﷺ بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر ركعتي الضحى وصوم ثلاثة أيام من الشهر وأن لا أنام إلا على وتر".(صحيح رواه أبو داود).
*قيام الليل،عن ابن عمر قال كان النبي ﷺ يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته .(البخاري).
*سنة الفجر،عن أبي قتادة رضي الله عن أنه قال :"كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه فقال : انظر فقلت هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنية ثم نزلوا فتوضئوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا".(مسلم).
لكن يشكل على هذا حديث ابن عمر قال:" صحبت رسول الله ﷺ في السفر، فما رأيته يسبح، ولو كنت مسبحا، لأتممت".(متفق عليه).
فحمله البعض على الرواتب، وقالوا الممنوع هي الرواتب لا النوافل المطلقة،قال ابن حجر:"فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر".(الفتح). والبعض حمله على الليل دون النهار والبعض على حالة الامن دون الخوف.
وجمهمور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على جواز التطوع في السفر لما مرة من أدلة وقالوا لا فرق بين الصلوات التي ثبتت عن النبي وبين غيرها. اما حديث ابن عمر فقد قال النووي:"ولعل النبيﷺ كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه بن عمر فإن النافلة في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها".(المنهاج).
ولهم حديث ابن عباس قال:"فرض رسول الله ﷺ صلاة الحضر والسفر، فكما تصلي في الحضر قبلها وبعدها، فصل في السفر قبلها وبعدها".(حسن رواه أحمد)
ولعل من استثنى الرواتب له دليل،فعن ابن عمر، قال:"سافرت مع النبي ﷺوأبي بكر، وعمر، وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين، لا يصلون قبلها ولا بعدها".(صحيح رواه الترمذي). فعلم أن مقصوده من النفي هي الراوتب.
- إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم فإنه يتم صلاته ولا يجوز له قصرها،عن موسى بن سلمة قال:"كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".(صحيح رواه أحمد).
- إذا كان المسافر هو الإمام فله أن يصلي ركعتين ويسلم،ويتم من خلفه من المقيمين.قال ابن قدامة:"أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر , وسلم المسافر من ركعتين , أن على المقيم إتمام الصلاة ".(المغني).
- يجوز للمسافر وهو راجع أن جمع الصلاة جمع تأخير لحين وصوله، فمثلا لو أذن الظهر وسيصل بيته قبل خروج وقت العصر، فيجوز له تأخير صلاة الظهر ليصليها مع العصر حين وصوله. لكن لا يقصر لأن العذر زال.
- من سافر فإنه لا يطيل الغيبة عن أهله بل يرجع كلما تسير له ذلك،قال ﷺ:" السفر قطعة من العذاب , يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه , فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره , فليعجل الرجوع إلى أهله".(ابن ماجة).وفي رواية الحاكم:" إذا قضى أحدكم حجه , فليعجل الرجوع إلى أهله، فإنه أعظم لأجره". وليس كمن يقول (اجمع المال وسافر). فهذا جهل منه.
-إذا رجع فلا يرجع ليلا ويحاول أن يكون ذلك ضحا أو عشية أو أول الليل،عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: " قلما كان رسول الله ﷺ يقدم من سفر سافره إلا ضحى ".(متفق عليه).
وعن أنس:"كان رسول الله ﷺ لا يطرق أهله ليلا, وكان يأتيهم غدوة أو عشية".(متفق عليه).وقال ﷺ:"إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل".(أبو داود).
- ويحرم عليه أن يتعمد القدوم ليلا بنية تخوينهم أو ليتصيد عثراتهم، فقد:"نهى رسول الله ﷺ أن يطرق الرجل أهله ليلا , يتخونهم أو يلتمس عثراتهم".(مسلم). لكن لو أعلمهم أو لم يستطع لذك جهدا فلا حرج من غير نية سوء.
- وإذا علمت الزوجة بقدوم زوجها فإنها تتزين له، قال ﷺ:" أمهلوا، حتى تدخلوا ليلا - أي عشاء - لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة".(متفق عليه).
- إذا رجع إلى مدينته يستحب له الدعاء،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كنا مع النبي ﷺ مقفله من عسفان .. فلما أشرفنا على المدينة قال: آيبون , تائبون , عابدون , لربنا حامدون , فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة ".(البخاري).
-إذا دخل مدينته أول ما يبدأ به صلاة ركعتين بالمسجد،عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: " صلى رسول الله ﷺ حين أقبل من حجته قافلا في تلك البطحاء، ثم دخل رسول الله ﷺ المدينة , فأناخ على باب مسجده، ثم دخله فركع فيه ركعتين , ثم انصرف إلى بيته "(حسن رواه أحمد).
- يستحب تلقي المسافر إذا رجع،عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: " لما قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك " , خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع , قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام ".(الترمذي).
- إذا لقيه عانقه،عن جابر رضي الله عنه قال:"لما قدم جعفر من الحبشة ,عانقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
-يستحب له أن يلاعب أطفال الحي، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"لما قدم النبي ﷺ مكة، استقبله أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحدا بين يديه، والآخر خلفه"(البخاري).
- يستحب للمسافر النقيعة وهي صنعة وليمة عند قدومه يدعو لها العائلة والأصحاب، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:"أن رسول الله ﷺلما قدم المدينة، نحر جزورا أو بقرة".(البخاري).
والله من وراء القصد.
(قاسم اكحيلات).