أحكام المسبوق

- المسبوق هو :"من سبقه الإمام بكل الركعات أو بعضها".(الموسوعة الفقهية).
- من أتى المسجد وسمع الإقامة أو وجدهم في صلاة، فلا يسرع في مشيه، بل يمشي وكله سكينة ووقار، قال رسول الله ﷺ :" إذا سمعتم الإقامة ، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم، فصلوا، وما فاتكم فأتموا".(رواه البخاري).
قال القرطبي:" واستعمال سنة رسول الله في كل حال أولى، فيمشي كما جاء الحديث وعليه السكينة والوقار، لأنه في صلاة ومحال أن يكون خبره على خلاف ما أخبره، فكما أن الداخل في الصلاة يلزم الوقار والسكون كذلك الماشي، حتى يحصل له التشبه به فيحصل له ثوابه".(أحكام القرآن).
- بعضهم ينهي وضوءه، ويدخل الصلاة مسرعا وثيابه مشمرة لم يحلها، وهذا مكروه، قال رسول الله ﷺ:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، ولا أكف ثوبا ولا شعرا".(متفق عليه). والذي صرف النهي للكراهة حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال:"رأيت بلالا جاء بعنزة فركزها ثم أقام الصلاة، فرأيت رسول ﷺ وسلم خرج في حلة مشمرا ، فصلى ركعتين إلى العنزة ، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه من وراء العنزة".(متفق عليه). [العَنَزة : بين العصا والرمح تجعل سترة للمصلي].
وعند المالكية أن النهي عن التشمير لأجل الصلاة، لا من كان أصلا مشمرا ثيابه قبلا.
- بعضهم إذا دخل المسجد والناس سجود انتظر حتى يرفعوا، وهذا خطأ، بل يدخل مع الإمام على أي هيئة كان، قال رسول الله ﷺ :"إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام". (حسن رواه الترمذي).
- بعضهم إذا دخل والصلاة قائمة تيمم ليدرك الجماعة، وهذا خطأ بل يتوضأ ولو فاتت الجماعة، ففوات الجماعة ليس عذرا للتيمم.
- إذا دخلت والإمام راكع، فلابد أن تكبر تكبيرة الإحرام أولا وأنت قائم، ولك أن تأتي بعدها بتكبيرة الانتقال، وإن تركتها[أي تكبيرة الانتقال] لا حرج، وبعضهم يكبر وهو نازل للركوع وهذا مبطل للصلاة عند الجمهور. قال رسول الله ﷺ للمسيئ صلاته:"إذا قمت للصلاة فكبر".(متفق عليه).
- إذا دخل والإمام راكع، هل يركع قبل وصوله إلى الصف ليدرك الركعة؟. خلاف :
قال قوم نعم يركع وهو سنة، فعن ابن جريج، عن عطاء، أنه سمع ابن الزبير، على المنبر يقول:"إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع فليركع حين يدخل، ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة".قال ابن جريج:"وقد رأيت عطاء يصنع ذلك".(رواه الطبراني وصححه الحاكم والذهبي والألباني والأعظمي). وقد ورد هذا الفعل عن أبي بكر وزيد بن ثابت (عند البيهقي) وابن مسعود (ابن أبي شيبة). وأبي بكرة (علي بن حجر).وروي أيضا عن سعيد بن جبير، وأبي سلمة، وعطاء.
وقال قوم لا يركع دون الصف، ولهم حديث أبي بكرة:"أنه جاء ورسول الله ﷺ راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي ﷺ صلاته قال : أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ؟. فقال أبو بكرة : أنا . فقال النبي ﷺ: زادك الله حرصا ولا تعد " .(صحيح رواه أحمد).
وأجاب من من أباح بأن قوله:"ولا تعد". أي للإسراع لرواية:"جئت ورسول الله ﷺ راكع، وقد حفزني النفس فركعت دون الصف".(صحيح رواه الطحاوي).
قلت : وقد يكون قوله :"ولا تعد" أي لا تعد لذلك كله : من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف أو لا تتأخرة مرة اخرى.
أما حديث ابن الزبير ففي تصحيحه نظر، وذلك ان ابن جريج مدلس وقد عنعن، ومن صححه قال أن قول ابن جريج:"وقد رأيت عطاء يصنع ذلك"، يفيد أنه تلقاه من عطاء مباشرة!!. وهذا حقيقة لا يفيد سماعا.قال محمد ابن آدم الإثيوبي:"هذا الذي قاله الشيخ[أي الألباني] عجيب منه، فهل مثل هذا الكلام يقال في كل مدلس عنعن، أم في ابن جريج فقط؟ فهلا قال مثل هذا في الحديث الآتي: إذا أتى أحدكم إلى الصلاة، فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف. ورجاله رجال الصحيح أيضا، فقد أعله بتدليس عمر بن علي المقدمي مع قوله: حدثنا ابن عجلان، فقال ما معناه: كان يقول: حدثنا، ثم يسكت[هذا يسمى تدليس القطع]. فهلا قال فيه: من البعيد أن يكون عمر دلسه بالسكوت، ثم لا يبينه محمد بن أبي بكر الراوي عنه، وهو ابن أخيه يعرفه حق المعرفة، هذا بعيد جدا؟.
والحاصل أن حديث ابن الزبير لا يصح لعنعنة ابن جريج. (ذخيرة العقبى). وورد المنع عن أبي هريرة، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي.
- تدرك الركعة بإدراك الركوع، وهذا قول الجمهور، وقال البخاري وابن حزم، وتقي الدين السبكي من الشافعية ورجحه الشوكاني وغيرهم أنها لا تدرك إلا بقراءة الفاتحة مع الإمام. والأول هو الراجح.لقول النبي ﷺ:"من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة".(متفق عليه). وأيضا لحديث أبي بكرة فقد ركع ولم يًبطل صلاته وقال له:"زادك الله حرصا ولا تعد".
- تمام الإدارك أن تركع وتطمئن، أو تصل يدك إلى ركبتيك، وقيل يكفي أن تشترك مع الإمام في القدر المجزئ، قال ابن قدامة:"أو انتهى إلى قدر الإجزاء من الركوع قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء. فهذا يعتد له بالركعة".(المغني). فإذا قام الإمام من ركوع ولم يعتدل بعد وانحنيت فقد أدركت الركوع ثم تطمئن بعده، قال الدردير:"(وإنما تدرك) الركعة مع الإمام (بانحنائه) : أي المأموم (في أولاه) : أي في أول ركعة له (مع الإمام قبل اعتداله) : أي الإمام من ركوعه ولو حال رفعه، (وإن لم يطمئن) المأموم في ركوعه (إلا بعده) : أي بعد اعتدال الإمام مطمئنا".(الشرح الصغير).
- إن شك هل أدرك الركوع أم لا؟. فإنه يلغي الركعة، ويقوم ويأتي بها بعد سلام الإمام.قال الخرشي المالكي :"وإن شك في الإدراك المذكور فالأولى أن لا يحرم فإن فعل ألغاها وتمادى معه وأتى بركعة بعد سلامه وسجد بعد السلام".(شرح مختصر خليل).
- إذا سجد الإمام للسهو : فإن سجد قبل السلام فيجب على المسبق أن يسجد معه، أما لو سجد بعد السلام، فإن المسبوق يقوم يتم ما عليه على الراجح.
لكن، هل يعيد السجود -سواء القبلي أم البعدي-؟.خلاف :
قال قوم لا يعيده إلا إن أدرك السهو مع الإمام، أما لو سها الإمام قبل دخوله فلا سجود عليه.
وقال قوم بل يعيد السجود عندما ينتهي، أدرك سبب السجود للسهو أم لم يدركه.وهذا قول المالكية.
- إذا لم يدرك أي ركعة مع الإمام، كأن دخل وهم في التشهد الأخير، فهل يسجد للسهو؟. المالكية قالوا لا يسجد لأنه لم يدرك الصلاة فلا عبرة بالمتابعة.وقال الجمهور يسجد.
- إذا تشهد الإمام في آخر ركعة، هل يشتهد المسبوق مثل تشهده [الصلاة الإبراهيمية والدعاء] أم يعتبر تشهده الأول؟. خلاف : والراجح أنه يفعل كما يفعل الإمام، لقول النبي ﷺ :"إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام". (حسن رواه الترمذي).
- لا يقوم المسبوق ليتم صلاته إلا إذ سلم الإمام، على الأقل تسليمة واحدة، وعند الحنابلة لا بد من الثانية، والراجح الأول.
- يجوز للإمام أن يستخلف مسبوقا، فإذا قام هذا الأخير ليتم جلس الناس خلفه حتى يسلم ويسلموا معه كما عند المالكية، وقال قوم يسلموا ولا ينتظرونه.
- إن صلى مسبوق خلف إمام مسبوق [مستخلف] فلا يقوم معه حتى يتم ويسلم ثم يقوم هو.وقيل يقوم ناويا الإنفصال عنه.
- إذا سلم الإمام فإن المسبوق يقوم ليتم صلاته، إتماما عاديا، هذا الراجح والأسهل على المسلم، فلو دخل في صلاة المغرب وقد صلوا ركعة، فقد بقي عليه ركعتان، فيقوم ويأتي بواحد جهرة بفاتحة وسورة ثم يتشهد ويقوم ويأتي بالثالثة سرا بالفاتحة وحدها.وهذا لقول النبي ﷺ:"وما فاتكم فأتمو".(البخاري) أما رواية "فاقضوا" فهي بمعنى الاتمام كما قال ربنا:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض". أي أتمت.
وعند المالكية القضاء في الأقوال والبناء في الأفعال ولهم تفصيلات قد تصعب على البعض وهي ملخصة في أول تعليق.
- إذا قام المسبوق فإنه يظل في مكانه، إلا إذا أغلق باب المسجد، أو قام في طريق مرور المصلين، فله أن يتحرك قليلا نحو سترة، عن ابن عباس : "أن النبي ﷺ كان يصلي فمرت شاة بين يديه فساعاها إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة ".(صحيح ابن خزيمة).
قال مالك:"ولا بأس أن ينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من الأساطين بين يديه، وعن يمينه، وعن يساره، وإلى خلفه يقهقر قليلا ليستتر بها إذا كان ذلك قريبا، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع".(الجامع لمسائل المدونة.
- المسبوق في الجنازة يقضيها، فإذا دخلت وقد فاتك الإمام بتكبيرة أو أكثر فإنك تدخل وتكبر وتكون هي أول صلاتك، فإذا كانت الثانية : هو سيصلي الصلاة الإبراهيمية وأنت تقرأ الفاتحة لأنها الاولى لك وهكذا..فتتابعه في الأفعال وتخالفه في الأقوال.
اما المالكية : فالمعلوم أن صلاة الجنازة عندهم دعاء فقط في كل التكبيرات، فإذا وجدت الإمام في الصلاة انتظرت حتى إذا كبر، كبرت ودخلت معه، ثم هو يكبر وتتابعه وتدعو معه، فإذا سلم تنظر : إن رفعت الجنازة فإنك تكبر التكبيرات الباقية عليك متتالية من غير دعاء، لأنها في حكم الغائب وصلاة الغائب عند المالكية لا تجوز. جاء في منح الجليل:" (ودعا) المسبوق عقب سلام إمامه وتكبيره (إن تركت) بضم فكسر أي الجنازة للمسبوق حتى يتم صلاته عليها (وإلا) أي، وإن تترك الجنازة للمسبوق بأن شرعوا في رفعها بفور سلام الإمام (والى) أي تابع المسبوق التكبير بلا دعاء بينه لئلا تصير صلاته على غائب".. وإن كانت باقية فإنك تكبر وتدعو.
هذه أغلب الأحكام التي يحتاجها المسلم مفصلة مبسطة، وكما ترى فغالب المسائل لا نص فيها، بل هي اجتهادات، لذا حرصت على ذكر المذاهب الفقهية.