الرؤى والأحلام

الحمد لله.

- الرؤيا بالألف هي ما يراه الإنسان في منامه، وتجمع على رُؤى.(الموسوعة الفقهية.7/22). والرؤية هي ما يُرى في اليقظة، قال الزمخشري:"والرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فرق بينهما بحرف التأنيث كما قيل: القربة والقربى".(الكشاف.444/2). وقد تطلق بالألف على رؤية اليقظة لكن قليلة، كما قال ربا:{ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}. وهذا كان في ليلة الإسراء وهي حقيقة.
- فانت تقول : رأيت رؤية، إذا عاينت ببصرك، ورأيت رؤيا إذا اعتقدت شيئا في قلبك، ورأيت رؤيا إذا رأيت شيئا في منامك.(القبس.ابن العربي.1135).
-وهي حق لا شك ولم ينكرها غير المعتزلة والقدرية، وقد ورد ذكرها في كتاب الله :{وقال الملك إني أرىٰ سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف}.{ودخل معه السجن فتيان , قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا , وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه , نبئنا بتأويله , إنا نراك من المحسنين}.
وقد قال النبي ﷺ:"لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟. قال: ال‍رؤيا الصالحة".(البخاري.6990). وقال ﷺ:"الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق..".(صحيح رواه الترمذي.2280).
- والرؤيا جزء من أجزاء النبوة، قال ﷺ:"رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة ".(مسلم.2263).ولا تكون الرؤيا من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مسلم صادق صالح، وهو الذي يناسب حاله حال النبي ﷺ فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء، وهو الاطلاع على شيء من علم الغيب فالكافر والكاذب والمخلط، وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحي ولا من النبوة إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة.(طرح التثريب.208/8).
-صدق الرؤى من علامات الساعة، قال رسول الله ﷺ:" في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا".(صحيح راه أحمد.7642). وإنما كان ذلك - والله أعلم - لانقطاع العلم آخر الزمان، ودروس معالم الديانة، وموت العلماء والصالحين والزاجرين، والناهين عن المنكر، كما أنذر - عليه السلام - به، فجعل الله لهم صدق الرؤيا زاجراً لهم وحجة عليهم وبينها لهم.(إكمال المعلم.عياض.211/7).
-الروح تغادر الجسد عند النوم، لكن يظل تعلقها به، قال ربنا{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}. وفي حديث بلال عندما ناموا عن الصلاة قال لهم النبي ﷺ:"إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء،".(البخاري.595). (راجع: الرؤوى عن أهل السنة والجماعة والمخالفين.العتيبي.ص:88 وما بعدها).
- بالغت الناس في الرؤى وصارت مريضة بها كمرضها بالرقى والعين والسحر، ومنهم من يبني عليها مستقبله، قال العباد:"وقد بقي من هذا النوع الرؤيا الصالحة، لكن يجب أن يفهم أنها لا تؤخذ منها الأحكام الشرعية، وإنما هي فقط للاستئناس، لذا لا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بالرؤى"(شرح أبي داود.1/570).
-الفرق بين الرؤيا والحلم :
*أنها من الله والحلم من الشيطان كما قال النبي ﷺ. (البخاري.7005.مسلم.2261).
*أنها من المبشرات، قال النبي ﷺ:"لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟. قال: ال‍رؤيا الصالحة".(البخاري.6990). وهذه المبشرات تتمثل في :
> صلاح العبد، فغالبا من تُرى له رؤيا يكون من أهل الصلاح، فعن ابن عمر قال:" قال: إن رجالا من أصحاب رسول الله ﷺ، كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله ﷺ، فيقصونها على رسول الله ﷺ، فيقول فيها رسول الله ﷺ ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن، وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء..". وفي رواية قال:" اللهم إن كان لي عندك خير فأرني منام".(البخاري.7030). فرأى ما شاء الله أن يرى فلما اُخبر النبيﷺ بها قال:"إن عبد الله رجل صالح."(7028).
وهذا ليس على إطلاقه فقد تقع من الفاسق والكافر كما وقع لعزيز مصر. قال القرطبي:"هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر".(204/9).
> أنه من أولياء الله، قال ربنا{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرىٰ في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. قال النبي ﷺ في تفسيرها:" هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ".(صحيح رواه أحمد.22687).
> تدل على عظيم اهتمامات المسلم، فغالبا من يرى رؤيا إنما لتعلق قلبه بها، فمن تعلق بخير رأى خيرا، فصحابة رسول الله ﷺ كان يشغلهم الإسلام فغالبا يرون ما يتعلق به، كرؤيا ليلة القدر والأذان ورؤيا الطفيل أخي عائشة في قول شاء الله وشاء فلان.
> دليل على ضعف تلاعب الشيطان به، فقد جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال:" إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي ﷺ وقال:لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام»".(مسلم.2268).
-ما تراه في منامك ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قال النبي ﷺ:"الرؤيا ثلاثة : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه".(2263).
- رؤياحق وهي من الله، ومن رأى رؤيا حق فإنه :
1-يحمد الله، قال النبي ﷺ:"إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها".(البخاري.6985).
2-أن يحدث بها إن شاء، قال النبي ﷺ:"إذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه، فليقصها إن شاء".(صحيح رواه أحمد.9128).
3-يستبشر بها، قالﷺ:"إن رأى رؤيا حسنة، فليبشر ولا يخبر إلا من يحب".(مسلم.2261).
4-لا يخبر بها الا من يحب ويكون عالما ناصحا، قال رسول الله ﷺ:" ولا تحدثوا بها إلا عالما، أو ناصحا، أو لبيبا".(حسن رواه أحمد.16183).
- أما حديث النفس، وهو ما يشغلك في يومك، فهذا لا يلزم منه شيء، فحديث النفس لا ينبني عليه شيء من الأحكام فهو كالعدم فلا تفسر ولا بأس بحكاتيها.(راجع.العتيبي 112).
*تهاويل الشيطان وتلاعبه بك. ومن رأى هذا فلتزمه ستة أمور:
1-يبصق عن يساره
2-ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات
3-يتعوذ بالله منها ثلاثا.
4-ويتحول إلى جنبه الآخر.
5-يقوم فيصلي.
6-لا يحدث بها أحدا.
ودليل هذا كله قول النبي ﷺ:"إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".(مسلم.2262).وقال ﷺ:"إن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس".(مسلم.2263). وقال ﷺ"إذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره".(البخاري.3292). راجع (زاد المعاد.419/2).
-علامات الرؤيا :
*التواطؤ عليها، ككما وقع للصحابة في رؤيا ليلة القدر.
* أنها من المبشرات، فلا تكون إلا في خير إما لنصح أو تحذير.
*أن يكون صاحبها من أهل الخير والصلاح، فالفاسق والفاجر غالبا لا يرى رؤيا، قال النبي ﷺ:"إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا".(مسلم.2263).
*أنها مما تعجب الرائي، قال ﷺ:"إذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه".(صحيح رواه أحمد.9128).
-الرؤيا من غير الأنبياء لا يثبت بها حكم، كما يفعل بعض الجهال يبنون عليها أحكاما ومستقبلا، قال الشاطبي:"الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال؛ إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها، وإلا؛ وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام؛ فلا".(الاعتصام.332/1). وقد يفهم من كون الرؤيا جزءا من أجزاء النبوة، ولم يذكر أنها جزء من الرسالة أنه لا يعتمد عليها في إثبات حكم، وإن أفادت الاطلاع على غيب فشأن النبوة الاطلاع على الغيب وشأن الرسالة تبليغ الأحكام للمكلفين(طرح التثريب215/8)..
- رؤية الله في المنام ممكنة، قال رسول الله ﷺ:" إني نعست فاستثقلت نوما فرأيت ربي في أحسن صورة".(صحيح رواه الترمذي.3234).
قال الدرامي:"في المنام يمكن رؤية الله تعالى على كل حال وفي كل صورة".(نقض الدرامي على المريسي.287).
-يمكن رؤية الملائكة في المنام، وقد وقع لابن عمر:" فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان، في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد، يقبلان بي إلى جهنم، وأنا بينهما أدعو الله: اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال: لن تراع، نعم الرجل أنت، لو كنت تكثر الصلاة".(البخاري.7028.مسلم.2479).
-يمكن رؤية الأنبياء وكذا النبي ﷺ، فقد قال:"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي".(البخاري.6592.مسلم.2266).
- يحرم ادعاء الرؤيا كذبا، قال النبي ﷺ:"من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل".(البخاري.7042). وقالﷺ:"إن من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر".(البخاري.7043).
- الرؤيا تصح من الحائض والجنب، وذلك أنها تصح من الكافر أصلا كما تقدم من رؤيا العزيز قال ابن عبد البر:"قد تكون الرؤيا الصادقة من الكافر ومن الفاسق كرؤيا الملك التي فسرها يوسف صلى الله عليه".(التمهيد.(285/1).
- والرؤيا تكون في نوم الليل كما نوم النهار، لا كما يظن بعض الناس انها تختص بوقت الفجر، قال البخاري:" باب رؤيا الليل" ثم أعقبه بابا آخر:" باب رؤيا النهار".وذكر حديث أنس قال:"كان رسول الله ﷺ يدخل على أم حرام بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله ﷺ ثم استيقظ وهو يضحك،قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة".(البخاري 7001).
وقال بعضهم تكون أصدق عند السَحَر، قال ابن القيم:"صدق الرؤيا: رؤيا الأسحار، فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية".(مدارج السالكين.76/1).
- من أراد أن يفسر فلينظر في أهل الخير من العلماء، قال ﷺ:"إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما".(صحيح رواه الحاكم.8177).
واختلفوا في حقيقة وقوع هذا التعبير :
1-أنها تقع كما عبرت، لان رسول الله ﷺ:" الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت". (صحيح رواه أبو داود)
2-لا علاقة لتحقق الرؤيا بقول المعبر، فهي محسومة حتى قبل تعبيره، قال ربنا:{قالوا أضغاث أحلام ۖ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين}. ففي الآية دليل على بطلان قول من يقول : إن الرؤيا على أول ما تعبر ، لأن القوم قالوا : أضغاث أحلام ولم تقع كذلك ; فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب ، فكان كما عبر ; وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر ، فإذا عبرت وقعت (أحكام القران.القرطبي..201/9).
3-أنها تكون لمن يصيب سواء عبرها  الأول أم الثاني.قال ابن حجر:"أشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره وأخذه من قوله ﷺ لأبي بكر في حديث الباب أصبت بعضا وأخطأت بعضا فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح ولا عبرة بالتعبير الأول".(الفتح.432/12).
-قد يتأخر وقوعها، قال سلمان رضي الله عنه:"كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة".(صحيح رواه الحاكم.8198).
-الرؤيا ليست شرطا في الاستخارة ولا دليل على هذا.
-الكتب المؤلفة في تفسير الرؤى لا تفيد شيئا، وعلم الرؤى من العلوم التي يختص بها الله بعض عباده، فلا خير في الاشتغال بها وكثرة النظر فيها لأن ذلك قد يشوش الفكر، وربما حصل منه القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة، وقد يدعو بعض من لا علم لهم إلى تعبير الأحلام على وفق ما يجدونه في تلك الكتب ويكون تعبيرهم لها بخلاف تأويلها المطابق لها في الحقيقة فيكونون بذلك من المتخرصين القائلين بغير علم، ولو كان كل ما قيل في تلك الكتب من التعبير صحيحا ومطابقا لكل ما ذكروه من أنواع الرؤيا لكان المعبرون للرؤيا كثيرين جدا في كل عصر ومصر. وقد علم بالاستقراء والتتبع لأخبار الماضين من هذه الأمة أن العاملين بتأويل الرؤيا قليلون جدا، بل إنهم في غاية الندرة في العلماء فضلا عن غير العلماء.(كتاب الرؤى.التويجري.169).
والله من وراء القصد.

 أ.د قاسم اكحيلات.