حكم الأبناك التشاركية

الحمد لله.

•  الخلاصة :«هذه البنوك ليست كالبنوك الربوية، ومن كانت بمدينته لا يحل له بعدها التعامل مع البنوك الأخرى. أما أخذ بيت أو سيارة عن طريقها، فيشكل عليه هامش الجدية، فإن أزالوه جازت المعاملة، وإن لم يفعلوا ففي الهامش خلاف نحن نرى حرمته. ومن كان محتاجا لسكن وأخذ بقول من أجاز للحاجة والمشقة لم يضره لما يوجد من خلاف في المسألة».

تضم هذه الأبناك عقودا كثيرة ومن أشهر هذه العقود والتي بدأت العمل بها، (المرابحة للآمر بالشراء). ووجها : أن يقول المشتري للبنك: اشتر بيتا مثلا، أو سلعة صفتها كذا وكذا، وأنا أربحك فيها كذا وكذا، ويذكر مقدار الربح، ولا يسلم الثمن في مجلس العقد.
وقد ورد هذا العقد في 16 مادة، وقد بحثتها بتفصيل مطول مع ذكر المذاهب الفقهية وأدلة كل فريق والردود عليها ثم الترجيح.

وقد تبين لي بعد البحث أن العقد مواده موافقة لما ترجح عندي وتوافق الأحكام الشرعية غير مسألة واحدة عكرت عليه وهي :
هامش الجدية : وذاك أن البنك يفرض التوقيع على وعد ملزم لك بالشراء، مع فرض مبلغ مالي يسمى عندهم بـ (هامش الجدية).
وهذا الشرط نراه محرما لأمور :
-   بيع البنك للمشتري ما ليس عنده، وما لا يملكه البنك، وما لم يقبضه بعد، فهو كالعربون وإن غيروا اسمه إلى هامش جدية.
-  بيع البنك ما لا يضمن ولا يدخل في ضمانه، فهو ضامن لربحه من المشتري، آمن من خسارته مع المورد.
-  بيع وشرط، فالبنك يبيع سلعة غير موجودة عنده وغير مملوكة له، ويشترط في المقابل على المشتري أخذها بلا خيار يدفع به الضرر والغرر.
-  بيع دين بدين، فالمشتري يدخل في الشراء للسلعة بلا مال عنده، فالثمن دين مؤجل عليه للبنك بالتقسيط، والبنك يبيع له سلعة ليست عنده ولا مملوكة لها، فهي مؤجلة إلى توقيع العقد بالوعد الملزم، فكان بيع كالئ بكالئ..
ولتصحيح مثل هذه المعاملة يجب أن يكون الوعد بالشراء غير ملزم، ويكون للبنك الخيار من طرف واحد مع المورد للبضاعة، بردها خلال أسبوع مثلا، إذا لم يصرفها، فإن أخذها المشتري، وإلا ردها البنك أو باعها لغيره.
فالذي نراه أنه لا بد من حذف شرط هامش الجدية حتى تكون المعاملة موافقة لشرع الله، فهامش الجدية يجعل الوعد ملزما، والوعد الملزم ذاك وعد حرام. ومن أجاز استدل بعموميات لا ترقى لرد النصوص الصريحة.
أما ما ينقل عن المالكية أنهم قالوا بإلزامية الوعد، فخطأ ظاهر، فالمالكية يحرمون هذه الصورة، وما ذكر عندهم هو في باب التبرعات لا المعاوضات، وقد حقق قولهم الصادق الغرياني وقال:«فالاستدلال بكلام المالكية في الوفاء بالوعد على جواز جعل الوعد ملزما في عقد المرابحة للآمر بالشراء، من الاستدلال بالكلام في غير موضعه وخارج سياقه، إذ الأول محله في كتبهم باب العِدَة والتبرعات، والثاني محله بيوع العينة والآجال، وقطع الكلام عن سياقه يفسد معناه، فهو كمن يقرأ {فويل للمصلين} أو {لا تقربوا الصلاة} ويسكت».اهـ.
قال الدكتور محمد الأشقر: «ولم نجد أحدا من العلماء السابقين قال بهذا القول بعد التمحيص، وبعد التعب في البحث، ونسب إلى المالكية وإلى ابن شبرمة القاضي، ولا تصح هذه النسبة». [بيع المرابحة (ص 11)].
بل تكاد أن لا تجد أحدا بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين، أو لكليهما؛ لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدا». [مجلة مجمع الفقه الإسلامي لنزيه حماد (5/ 2/ 935)].
ثم إن مخاطرة نكول المشتري عن الشراء تعد كأي مخاطرة يتحملها التجار عادة، فمن طبيعة أي تجارة التعرض للربح والخسارة .

كما أن هذه الأبناك فيها مخالفة أخرى وهي الغبن، أي الربح الفاحش جدا، مما يستحيل معه أخذ قرض منهم مع الشروط الصعبة مقارنة مع البنوك الربوية، لكن مع ذلك هذه الزيادة الفاحشة لا علاقة لها بالربا، وإنما هي إنهاك لكاهل المواطن المسكين وهذا فعل محرم وطريق للاغتناء من غير المصدر الحلال، وهو مظهر من مظاهر الرأسمالية التي حصرت الغنى و المال في طبقة واحدة. نعم هناك إكراهات لكن لا تعفيها من الإثم.

فمن أراد أخذ شقة من هذه البنوك فليطالبهم بحذف هامش الجدية، وهم يفعلون ذلك مع بعض العملاء فعلا. فإن لم يفعلوا فلا نرى جواز المعاملة حينها إلا لمن كان محتاجا ووجد مشقة في السكن وذلك مراعاة للخلاف مع من قال بجواز هامش الجدية. فالمعاملة عموما خالية من الربا، ولا تقارن هذه البنوك بالبنوك الربوية، ومن توفرت هذه البنوك في محطيه فليبادر بفتح حساب معهم وليترك البنوك الربوية.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.