حكم الإفرازات المهبلية

نظرا لكثرة الأسئلة بخصوص هذا الأمر ظهر لنا أن نفصل فيه تفصيلا تستفيد منه النساء.
هذه الإفرازات عند الفقهاء يطلق عليها (الرطوبة)، وهي:"إفراز طبيعي عديم اللون عادة ولزج بدرجة خفيفة، ويشبه بياض البيض غير المطبوخ عندما يزداد نشاط غدد الرحم".(مسائل خاصة بالمرأة.رقية المحارب.19). وقد اختلف أهل العلم في طهارتها ونقضها للوضوء.
القول الأول : هذه الإفرازات طاهرة، وهو قول الحنفية والشافعية في الصحيح والحنابلة (الموسوعة الفقهية.93.94/40). واستدلوا :
- لا دليل على نجاستها، ومن قال عكسه فعليه بالدليل.
ورد عليهم : بأنه قد وردت أدلة كثيرة تفيد نجاستها كما سيأتي.
- عن عائشة قالت:"كنت أفرك المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب، فيصلي فيه".(صحيح رواه أحمد.24936)."فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المني ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك".(شرح مسلم.النووي.199/3).
ورد عليهم بأن المني هنا قد يكون سببه احتلام، فلا دخل للرطوبة فيه أصلا.
ورد عليهم بأن (قد) لا تفيد شيئا، والدين لا يؤخذ بالتخمين ولا دليل على أنه كان من احتلام.
وأجابوا : هب أنه من جماع، فالغسل ليس شرطا للطهارة،فالنعل إن كان به أذى دلك في التراب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما".(صحيح رواه أبود داود.605).
- عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم"هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل في الثوب الذي يجامعها فيه؟. فقالت: نعم إذا لم ير فيه أذى".(صحيح رواه أبو داود.366). وهذا ظاهر على طهارتها"لأنه لم يذكر هنا أنه كان يغسل ثوبه من الجماع قبل أن يصلي لو غسله لنقل.ومن المعلوم أن الذكر يخرج وعليه رطوبة من فرج المرأة".(نيل الأوطار.141/2).
ورد عليهم بأن هذا دليل عليكم، إذ قولها (أذى) تعني به الرطوبة، قال محمود السبكي:"(قوله إذا لم ير فيه أذى) أى إذا لم ير في الثوب أثر النجاسة من المنىّ أو المذى أو رطوبة فرج المرأة"(المنهل العذب273/3)
- المشقة : فالمرأة إن قلنا لها بنجاسة هذه الإفرازات لشق عليها تغيير ثيابها كل مرة،(راجع: تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة.240/1).
ورد عليهم بأن هذا شيء يسيرـ ومن ابتليت بكثرتها بهذا يكون لها حكم صاحب السلس وفي هذا تيسير لا مشقة.
القول الثاني : أنها نجسة وهو قول المالكية وقول عند الشافعية، واستدلوا :
- عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:"توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة، غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه من الأذى.(البخاري249.مسلم.317). ووجه ذلك أن الفرج غالبا لا أذى به غير تلك الإفرازات.
ورد عليهم : أن الحسم أن الغسل كان بسبب الإفرازات يحتاج لدليل، إذ قد يكون من مذي، والغسل لا يدل على نجاستها، قال ابن حجر:"وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة وقوله في حديث الباب وما أصابه من أذى ليس بظاهر في النجاسة أيضا".(الفتح.362/1).
- عن عائشة قالت:"كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه".(البخاري.229.مسلم.289).ووجه ذلك أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الرطوة ستعلق به فكان ذاك هو السبب.
وورد عليهم بأن هذا من فعلها، ألم تر أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لا تدل على الوجوب فكيف بغيره؟. ثم الغسل لا يدل على النجاسة، عن أنس بن مالك :"أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده". قال ابن حزم:" فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجسا".(المحلى.135/1).
- عن أبي بن كعب أنه قال:"يا رسول الله: إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟. قال:يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي".(البخاري.293.مسلم346).
ورد عليهم بأنه ليس "بصريح في أن غسل الذكر إنما هو من رطوبة فرج المرأة، ولكن محتمل أن يكون للمذي الذي خرج منه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المقداد لما سأله عن المذي فقال: توضأ واغسل ذكرك".(راجع:الجامع لأحكام النساء.العدوي.66/1).
قلت : لكن يشكل على هذا رواية (مسلم.346). :"يغسل ما أصابه من المرأة". فيكون الغسل ليس بسبب ذكره، بل بسبب فرج المرأة!!. ويمكن أن يجاب على أنه يمكن"حمل لفظ مسلم على لفظ البخاري، وأن المقصود من اللفظين غسل الذكر، لا سيما أنه ورد في الصحيحين اللفظ الصريح في ذلك، قال: في الرجل يأتي أهله ثم لا ينزل، قال: يغسل ذكره ويتوضأ".(موسوعة أحكام الطهارة.الذبيان.268/13).
- عن زيد بن خالد أنه سأل:"عثمان بن عفان رضي الله عنه قلت: أرأيت إذا جامع فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره.قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ".(البخاري.179.مسلم.347).
ورد عليهم بأن الحديث منسوخ، فقد كان أول الإسلام من جامع ولم ينزل فيتوضأ، ثم نسخ فصار من جماع ولو لم ينزل عليه الغسل.
وأجيب : أن نسخ الحكم الأول لا يعني نسخ الحكم الثاني وهو غسل الذكر، فهو باق على حاله، قال النووي:"أما الأمر بغسل الذكر وما أصابه منها فثابت غير منسوخ وهو ظاهر في الحكم بنجاسة رطوبة الفرج ".(المجموع شرح المهذب.571/2).
- هذه الرطوبة تشبه المذي، لأن الولد لا يتخلق منه.
ورد عليهم:"بأنه ليس كل شيء في الفرج لا يخلق منه الولد فهو يشبه المذي، لأن الفرج يطلق على القبل والدبر كما هو معلوم، ومع ذلك هذه الريح في الفرج، ولا يخلق منها الولد، وهي طاهرة".(الذبيان.268/13).
وأنت ترى الأدلة أمامك، فإن كنت من طلبة العلم ويمكنك الترجيح فذاك، وإلا فالزم مذهبك.
والذي نقول به أن الإفرازات التي تزنل من النساء طاهرة ولا دليل على نجاستها ما لم تختلط بمذي وذلك عند الشهوة.
وهل هي ناقضة للوضوء ؟. خلاف :
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها ناقضة للوضوء وإن لم ينصوا على ذلك لكن يرجع لأصولهم كمن يقول أن كل نسج ناقض أو كل ما خرج من السبيلين فهو ناقض، ومن هؤلاء المالكية،
وقالوا من ابلتيت بها بحيث تكرر خروج رطوبة الفرج عند المرأة بأن كانت تلازم كل الوقت أو أكثره، فإن لها حكم السلس فتغسلها عند القيام للصلاة وتغسل أو تبدل الملابس المصابة بها، وتتوضأ استحبابا لا وجوبا،ولا تلتفت أثناء الصلاة إلى ما يخرج من تلك الرطوبة لأنها في حكم السلس.
وذهب ابن حزم إلا أنها لا تنقض الوضوء ولا دليل على ذلك،وهو اخيتار الشيخ مصطفى العدوي في (الجامع لأحكام النساء). والظاهر أنه آخر الأقوال للعلامة العثيمين فقد نشر كلامه في بحث (رقية المحارب.40) وقد أظهر الشيخ تراجعه عن القول بنقضه للوضوء.
والذي نراه أنه هذه الإفرازات غير ناقضة بمره ولا دليل على ذلك، غير قواعد لا دليل عليها، أو أقيسة مع فوارق كثيرة.