صفات الخاطب
ترِدنا أسئلة ممن تقدم لها خاطب يرغب الزواج بها، وتصفه بمرضي الدين والخلق، فهو ملتزم : (ملتحي) (يصلي) (طالب علم).
حقيقة ليست هذه الأمور التي تكلم عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فالفاسق يصلي، والفاجر يصوم ويتصدق..فهذه الأمور يشترك فيها الناس برهم وفاجرهم.. فهي حقيقة لا تكفي.
وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله منبها :" وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله. وأكثر الديانين لا يعبأون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس.
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والنصيحه لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم، فضلا عن أن يريدوا فعلها وفضلا عن أن يفعلوها، وأقل الناس دينا أمقتهم الى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد فى الدنيا جميعها، وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ويمعره لله ويغضب لحرماته ويبذل عرضه فى نصرة دينه ".(عدة الصابرين.286-287).
فهل لاحظتِ في ذلك الرجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحياء والكرم، رفقته، حلمه، تسامحه، جيرته، حضوره مجالس العلم مسارعته للخير.. ماذا عن المعاصي التي استمرأها المجتمع، كالاختلاط والتميع والنظر ..
فما الصلاة والصيام يكفيان، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم قوم الضلالة :"يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..".(البخاري.5058.مسلم.1064).
ولا الزي وحده يكفي، ولا اللحية وحدها تكفي، وتأملي مرة أخرى هذه الواقعة، فقد قسم النبي ﷺ قسمة فاعترض عليه آخر منكرا، قال أبو سعيد الخدري:"فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار،فقال: يا رسول الله، اتق الله!! قال: ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!".(البخاري.4351.مسلم.1064).
قلت : فتأملي قوله (كث اللحية) و(مشمر الإزار). لتعلم أن السمت بعيدا عن الأخلاق لا قيمة له، قال مقبل:"بعض أهل اللحي ربما يُعفى لحيتهُ وهو خادعُ غشاش، هذا ليس بالذنب ذنب اللحية ، الذنب ذنب ذلك المجرم ، وإلا فقد كان المشركون يشركون ويعفون لحاهم".(إجابة السائل.ص:220).
أما (طلاب العلم) فلا شك أن فيهم خيرا كبيرا، لكن لا عبرة بطلب لم يثمر أخلاق العلماء. وذكرت هذا لأنبه على مسألة يفعلها بعضهم وهي (الزواج بنية الطلاق).
ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة الزواج بنية الطلاق، وذلك أن يتزوجك وفي نيته أن يطلقك بعد شهر مثلا، ويفرقون بينه وبين زواج المتعة. فبعضهم يستغل هذا بحجة التمذهب فيستبيحه.
وعلامة هذا النوع من البشر: غالبا ما يكون مغتربا، ويتهرب من توثيق العقد..فتحسن الظن به، فيطلقها وتقع في حرج.
وقد وقع لامرأة تزوجها أحدهم، فلما انتهت مدتها طلقها، فلم تجد المرأة مخرجا غير أنها ادعت موته في حادث سير حفاظا على ماء وجهها.
فالتحري عن الشخص الخاطب واجب وجوبا مؤكدا لا سيما في هذا الوقت الذي التبس فيه الطيب بالخبيث وكثر فيه التزوير والوصف الكاذب، وكثر فيه شهادة الزور، فإنه قد يوجد من الخطاب من يتظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق وهو على خلاف ذلك، وقد يزور زيادة على مظهره يزور على المخطوبة وأهلها بأنه مستقيم وذو خلق، وقد يؤيد من أهله على ما زور، فإذا حصل العقد تبين أن الأمر على خلاف ذلك في دينه وخلقه؛ ولهذا أرى أنه يجب التحري وجوبا مؤكدا وأن يكون التحري بدقة.(راجع: فتاوى نور على الدرب.2/19).
وإنما أنا لكم ناصح أمين.
#قاسم_اكحيلات