مس المصحف للحائض
خلاف، القول الأول : يحرم مس المصحف للحائض، وهو مذهب جمهور الفقهاء واختياره ابن تيمية، إلا أن المالكية استثنوا من ذلك المعلمة والمتعلمة فإنه يجوز لهما مس المصحف.
ويحرم مسه ولو من وراء حائل عند المالكية والشافعية، وعند الحنابلة لا بأس بذلك من وراء حائل، وعند الحنفية إن كان الحائل منفصلا عنه جوز وإلا حرم، واستدلوا :
- قال ربنا:{إنه لقرآن كريم .في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون}. قالوا فالآية صريحة أن المصحف لا يمسه إلا المطهرون.
ورد عليهم بأن هذا خبر والخبر لا يفيد حكما.وأجيب أن هذا نهي في سياق الخبر، كقول ربنا:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
ورد أيضا أن السياق دليل على أن المقصود به الملائكة والضمير يعود على الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ. وأجيب بأن هذا القول يستلزم وجود من هو غير طاهر وهذا محال.
وعلى فرض أن المقصود بهم الملائكة فقد أجاب ابن تيمية بقوله:" تدل الآية بإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر. لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون، لكرامتها على الله. فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر".(مدارج السالكين.ابن القيم).
- قال صلى الله عليه وسلم :"لا يمس القرآن إلا طاهر".(الدارقطني وصححه الألباني).
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف وكل طرقه معلولة بين مرسلة ومنقطعة. ثم هب أنه صحيح فالطهارة المقصود بها الطهارة المعنوية أي الطهارة من الكفر فلا يمس المصحف إلا مؤمن.
وأجيب : بأن الطاهر لفظ مجمل طلق بالاشتراك على المؤمن، كقوله ربنا {إنما المشركون نجس}، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "المؤمن لا ينجس". والطاهر من الحدث الأكبر كقوله ربنا {وإن كنتم جنبا فاطهروا}، وعلى الحدث الأصغر كقوله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"، وعلى من ليس على بدنه نجاسة بدليل الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا. وقد ورد إطلاق ذلك في كثير، فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا. والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها فلا يعمل به حتى يبين".(الشوكاني.نيل الأوطار).
ورد عليهم بأن" المراد به واضح إذ هو الطاهر من الحدث بنوعيه، وكذا الطاهر من النجاسة من باب أولى، وأما المؤمن فغير مراد هنا, لأن في بعض طرق الحديث (وأن لا تمس القرآن إلا طاهرًا) ومعلوم أنه لا يريد عند مخاطبة الصحابي معنى المؤمن. فتبصر".(ذخيرة العقبى. الإثيوبي)
- عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال:"كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص، فاحتككت. فقال: لعلك مسست ذكرك. قال: فقلت: نعم. فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت".(صحيح في الموطأ).
ورد عليهم أن هذا قول صاحبي وقد علم له مخالف، ثم هذا ليس فيه دليل على الوجوب ونحن لا نختلف معكم على الاستحباب.
- عن عبد الله بن عمر قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو".(متفق عليه).
ورد عليهم أنه "ليس فيه أن لا يمس المصحف جنب ولا كافر. وإنما فيه أن لا ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط".(المحلى.ابن حزم).
القول الثاني : الاستحباب من غير وجوب وهو مذهب الظاهرية، واستدلوا :
- لا دليل صريح على وجوب الطهارة لمسه، وكل الأدلة إما صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة.
ورد بأن هذه مكابرة منكم وقد علمتم الأدلة القاضية من القرآن والسنة والأحاديث التي صححها كثير من أهل العلم.
-عن أبي هريرة، قال:" لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت، وهو قاعد، فقال: أين كنت يا أبا هر. فقلت له، فقال: سبحان الله، يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس".(متفق عليه).
ورد عليهم بأن النجس لا يتناقض الطاهر، فعن المغيرة قال:"كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما".(متفق عليه). فالنجاسة لو كانت على البدن لجاز مس المصحف لمن كان متطهرا.
- عن ابن عباس:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى حاجته من الخلاء، فقرب إليه طعام فأكل ولم يمس ماء. قال وزادني عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إنك لم توضأ، قال: ما أردت صلاة فأتوض."(مسلم).
ورد عليهم بان هذا مفهوم والمنطوق مقدم.
- أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابا فيه :"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و {ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}".(متفق عليه). فالقياس يقتضي أنه لم يمنع من مس آية فالأولى المصحف كاملا.(المحلى.ابن حزم).
ورد عليهم إنما هذا في الآية ونحوها فلا يسمى مصحفا.( الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة.صالح اللاحم).
**الخلاصة : من كان من أهل التقليد فقد علم مذهبه، ومن كان متمكنا من الترجيح فالأدلة أمامه.
والذي أقول به ولا يلزم أحدا: أنه يجوز للحائض والمحدث عموما مس المصحف.
والله الموفق.
(قاسم اكحيلات).