الاستدلال بحديث تحريم إفشاء الزوجين سرهما على جواز الاختلاط!.

السؤال :

يستدل بعض الناس على الاختلاط بحديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا، ثم يرخي سترا، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك. ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها، وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها. فقالت امرأة سفعاء الخدين:والله يا رسول الله إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، فقضى حاجته منها، ثم انصرف وتركها. رواه البزار وله شواهد تقويه، وحسنه الشيخ الألباني. ما الرد المناسب؟؟

الجواب :

الحمد لله.

بارك الله فيكم.

من منن الله العظيمة على عباده العلم والتفقه في الدين، وهذا ليس ما كنا نظنه قديما في شقشقة الكلام وحسن الخطاب، بل في التمكن من العلوم الشرعية، فحينما تفهمها وتستوعبها ستجد أن من كنت تسمع لهم ليسوا إلا دعاة لهم زاد يسير يخاطبون به الناس، وهو أمر جميل لولا أن عرفوا قدرهم ولم يتجاوزوه.

فدعاة الاختلاط يتلقفون نصوصا من هنا وهناك، يتركون الأصل ويبحثون عن بعض الحالات العابرة، مع لزومهم الصمت عن الأدلة التي قدمانها أكثر من مرة.

فلا يصح أن يأتي لحالة منفردة يقيم عليها أصلا، كمن جعل المرأة مستشارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أم سلمة مرة، أو كم جوز رياضة الجري للنساء لان النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة مرة أو مرتين.!!. كما قال الشيخ الطريفي:" استشارها زوجها يوما فجعلوها مستشارة دوما".(أسطر.ص:141).

أما الحديث فنبين ما فيه من وجهين :

- الوجه الأول : الحديث ضعيف لا يصح، وهو يريد أن يرهبك بقوله (وله شواهد تقويه) حتى تعتقد أنه مطلع، وفي الحقيقة هو لا يعلم شيئا في علم الحديث، إنما قرأ تلك العبارة وكررها، فلو طالبته بتلك الشواهد لهرب جريا إلى كتب العلامة الألباني رحمه الله، حتى إذا أخطأ الشيخ الألباني تابعه على خطئه وهو حال القوم.

فالحديث عند البزار من طريق روح بن حاتم وهو ضعيف. وعند النسائي عن أبي هريرة وفيه الطفاوي مجهول!. وهو عند أحمد عن أسماء لكن في سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف.

أما عن الشواهد الذي تقويه فلا توجد، وهذا من الأخطاء التي يقع في الكثير، فيأتي إلى صحيح يجعل شاهدا لحديث ضعيف، ولكن تجد أن الشاهد غير تام بل قاصر.

فمثلا، هذا الحديث سيجعلون له شاهدا عند مسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سره".

إن قلنا بصحة هذا الحديث الذي رواه مسلم -وإلا فهو متكلم فيه- لا نجد بأنه يشهد الحديث في كل جزئياته، وإنما يشهد للمعنى، فحديث مسلم فيه تحريم إفشاء السر وهذا شاهد للحديث. لكن ليس في الحديث تلك التفاصيل !.
فلا يصح أن نقول بانه صحيح لشواهده إلا بالقدر المشترك. ولا اشترك بين هذا الحديث وبين حديث مسلم إلا في المعنى العام.

- الوجه الثاني : لا أعلم أنن وجه الاستدلال به على الاختلاط؟. :

* فإن استدل بتحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فليس الاستدلال صحيحا، فليس في الحديث أن أبا سعيد شهد الموقف، لان الحديث ورد من طريق أسماء فهي من حدثت به. ومعلوم أن الدروس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت غير مختلطة، عن أبي سعيد أن امرأة قالت للنبي ﷺ:"غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله . فقال : اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا".(البخاري.7310.مسلم.26/34).

وهذا أمر عجيب، كانت الصحابيات يطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهن يوما خاصا حتى لا يختلطن بالرجال، وداعيات العصر يدافعن عن الاختلاط ويطالبن به!. وقد ذكر البخاري الحديث في باب (هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم). قال ابن الجوزي في (كشف المشكل.146/3).:"فأما ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب، من اختلاط النساء بالرجال، ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك".
وفي الحديث دليل قوي على النساء لم يكن يشاركن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية بل كان الرجال، قال العيني:"قوله: (غلبنا عليك الرجال) معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يوما من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين.".(العمدة.134/2).

• أما إن كان استدل بوجود النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه مصيبة كبرى إن كان يسمح لزوجته أن تتحدث بمثل ذلك الكلام مع الرجال!!. فكيف يقيس الرجال بالنبي صلى الله عليه وسلم!!. هذا غريب جدا. فذاك حاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ، أعلمكم".(أبو داود.8).
ثم كيف يقيس ذلك بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان هو المعلم الوحيد في وقتها!.
ثم هب ذلك، فأين الاختلاط في ذلك، فغاية ما في الحديث تدريس الرجل للنساء!! فأين في الحديث جلوس الرجال والنساء كحالكم؟.