رمي العروس الحلوى

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله.
ما حكم ما تفعله بعض النساء من رمي الحلوى على الحضور من النساء في العرس

الجواب :

هذا عند الفقهاء يسمى (النثار)، والنثار هو من :"نثر الشيء ينثره وينثره نثرا ونثارا: رماه متفرقا. والنثار بالكسر والضم".(انظر الموسوعة الفقهية).
قال الليث:"نثرك الشيء بيدك ترمي به متفرقا مثل نثر الجوز واللوز والسكر".(لسان العرب).
وقد اختلف العلماء في حكم هذا :
قال الشوكاني رحمه الله حرام، وقال قوم مكروه وهو مذهب الشافعية والمالكية ورواية عن أحمد، وروي عن أبي مسعود البدري، وعكرمة، وابن سيرين وعطاء، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وطلحة، وزبيد اليامي. قال الشافعي:"لو ترك كان أحب إلي".(مختصر المزني).
قال الحطاب المالكي:"قال في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب العقيقة، قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفي العرائس فتكون فيه النهبة، قال: لا أحب أن يؤكل منه شيء إذا كان ينتهب. قال ابن رشد: كرهه مالك بكل حال لظواهر الآثار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك من ذلك نهيه عن النهبة".(مواهب الجليل).
واستدلوا بأحاديث النهي عن الانتهاب [وهو أخذ الشيء غلبة] وقد ورد :
- قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن".(متفق عليه).
-عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبى والمثلة"(البخاري).
-وعن عبادة قال:"بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ننتهب".(البخاري).
وقال قوم هو مباح : وهو مذهب الحنفية، وبه قال أبو بكر، وهو قول الحسن، وقتادة، والنخعي، وابن المنذر، ورواية عن أحمد.
قال القدوري الحنفي:" قال أصحابنا: لا بأس بنثار العرس، ولا يكره أخذه".(التجريد).
واستدلوا :
- عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر،. قال عيسى، قال ثور: وهو اليوم الثاني، وقال: وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع".(صحيح رواه أبو داود).
فالشاهد قوله:"من شاء اقتطع".قال الخطابي:"وفيه دلالة على جواز أخذ النثار في عقد الإملاك وأنه ليس من باب النهبى، وإنما هو من باب الإباحة".(معالم السنن).
قال ابن المنذر:"هذا الحديث حجة فى إجازة أخذ ما نثر فى الملاك وغيره، وأبيح أخذه، لأن المبيح لهم ذلك قد علم اختلاف فعلهم فى الأخذ وليس فى البدن التى أباحها النبى - عليه السلام - لأصحابه معنى إلا وهو موجود فى النثار".(شرح ابن بطال على البخاري).
وفي هذا نظر"بل فيها معنى ليس في غيرها بالنسبة إلى المأذون لهم فإنهم كانوا الغاية في الورع والإنصاف وليس غيرهم في ذلك مثلهم".(الفتح).
وفي هذ الرد نظر" لأنه لو كَانَ المعنى الذي ذكره هو المبيح، لبيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليه، وَقَالَ: هَذَا لا يجوز إلا لمن كَانَ عَلَى صفتكم، فلما أطلق، ولم يقيّده علمنا أنه مباح".(ذخيرة العقبى).
وللعلامة العثيمين رحمه الله توجيه آخر، قال:"وعندي أن في هذا الاستدلال نظرا؛ لأن هذا الرجل ما نثر، وإنما قدمها تقديما، ورخص للناس بالأكل، كما لو قدم طعاما، وقال للناس: تفضلوا؛ فهذا ليس بنثار، ففرق بينهما، وهذا لا بأس به، وجرت به العادة".(الشرح الممتعه).
قلت : وفيه رده نظر أيضا، فتخصيص النثار من الانتهاب تخصيص من غير دليل،
قال الشوكاني:"والحاصل أن أحاديث النهي عنه ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره، وهي تقتضي تحريم كل انتهاب. ومن جملة ذلك انتهاب النثار، ولم يأت ما يصلح لتخصيصه".(نيل الأوطار).
- قال صلى الله عليه وسلم:"بينا أيوب يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك".(البخاري).
وقالوا : وهذا ظاهره الجواز، لان النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن أيوب انتهابه ولم يعقب.
قال ابن حجر:"واستنبط منه الخطابي جواز أخذ النثار في الاملاك وتعقبه بن التين فقال هو شيء خص الله به نبيه أيوب وهو بخلاف النثار فإنه من فعل الآدمي فيكره لما فيه من السرف ورد عليه بأنه أذن فيه من قبل الشارع إن ثبت الخبر ويستأنس فيه بهذه القصة والله".(الفتح).
-عن عائشة رضي الله عنها ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بعض نسائه فنثر عليه التمر ".(رواه البيهقي).
قلت : هذاحديث باطل، رواه البيهقي في (السنن):" أخبرنا أبو سعد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، نا محمد بن عثمان وراق عبدان , نا عمرو بن سعيد الزعفراني , نا الحسن بن عمرو , نا القاسم بن عطية ، عن منصور بن صفية ، عن أمه ، عن عائشة رضي الله عنها..".
وآفة الحديث الحسن بن عمرو العبدي، كذبه علي بن المديني والبخاري، وقال ابن حجر:"متروك الحديث".
-عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه قال:"شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إملاك رجل من أصحابه فقال: على الخير والإلفة والطائر الميمون، والسعة في الرزق، بارك الله لكم، دففوا على رأسه فجيء بدف فضرب به، فأقبلت أطباق عليها فاكهة وسكر، فنثر عليه فكف القوم أيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا تنتهبون؟ فقالوا: يا رسول الله أولم تنه عن النهبة؟ قال: إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، فأما العرسات فلا قال: فجاذبهم وجاذبوه".(رواه الطبراني في الدعاء).
قلت : وهذا حديث لا يصح البتة، وطرقه غير سالكة. وورد أيضا حديث موضوع، انه صلى الله عليه وسلم زوج عليا فاطمة رضي الله عنهما، نثر عليهما، وهو مكذوب عند البيقهي.
والراجح : أن النثار أقل أحواله الكراهة، وقد يصير حراما إن انضاف إليه أذى وسفه.
وليعلم أن الانتهاب ثلاثة أنواع :
الأول: نوع لا تسبقه إباحة من المالك، وهذا حرام إجماعا،
الثاني: نوع تسبقه إباحة من المالك، كانتهاب النثار الذي ينثر على رأس العروس ونحو ذلك، واذن فيه المالك، هذا الذي ذكرنا فيه الخلاف.
الثالث: نوع أباحه المالك ليؤكل على وجه ما يؤكل به، فانتهبه الناس، كانتهاب المدعوين طعام الوليمة. وهذا حرام أبضا.
والعلة في النهي :
- أنه قد يوقع بين الحاضرين تناهبا وتنافرا وما أدى إلى ذلك فهو مكروه.
- أنه قد لا يتساوى الناس فيه وربما حاز بعضهم أكثره ولم يصل إلى الآخرين شيء منه فتنافسوا.
- أنه قد يلجا الناس فيه إلى إسقاط المروءات إن أخذوا أو يتسلط عليهم السفهاء إن أمسكوا.
**فائدة : قال محمد المختار الشنقيطي:"وفي حكم هذا الصدقات عندما ترمى على الناس، فكره بعض أهل العلم هذا الأسلوب، ومثل أن يكون عنده ماء يريد أن يتصدق به على الناس فيرميه على الناس، أو تكون عنده أطعمة يرميها على الناس وتسقط على الأرض، ولربما تلفت إذا سقطت، ولربما ضربت الناس في رءوسهم وفي أجسادهم، وقد ترمى رمياً فيه أذية، ورميها يغري الناس بضرب بعضهم لبعض، وأذية بعضهم لبعض، فإذا جئت تنظر إلى الحسنات التي يأخذها فقد تكون السيئات وسب الناس بعضهم لبعض وشتم الناس بعضهم لبعض أعظم، كل هذا من المفاسد التي هي أعظم من المصلحة التي ترجى من وراء اليسير الذي يريد أن يسقيه الناس أو يعطيهم.
ولذلك كره العلماء مثل هذا الأسلوب، وهو في حكم النثار، إنما المنبغي أن يرتب الناس، ويعطى الأسبق فالأسبق، بطريقة تحفظ ماء وجوه الناس، وتحفظ كرامتهم، وأيضاً تدفع الضرر عنهم، ولا تكون سبباً في حصول الضرر عليهم، ولا تكون سبباً في امتهان نعمة الله عز وجل والإضرار بها".(شرح زاد المستقنع).