احتضان الحزين سنة!
السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته شيخنا ؛ ما صحة :"احتضان الحزين سنة". بارك الله فيك هناك. من يقول أنه صحيح ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهناك من يقول أنه موضوع ولا أصل له ؛ فما قولك نريد توضيحا بارك الله فيك.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليس حديثا عن النبي ﷺ، ولم يثبت حديث في احتضان الحزين يبين سنيته، وإنما ورد عنه ﷺ أنه احتضن الجذع الذي حن إليه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن النبي ﷺ كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه، حن الجذع فاحتضنه، فسكن، وقال: لو لم أحتضنه، لحن إلى يوم القيامة». [مسند الدارمي - ت حسين أسد (1/ 182)].
وهذا لا يعني أنه سنة، وإنما هو أمر طبيعي للمواساة ، لذا لم يقل أحد من العلماء بهذا، بل منهم من يرى كراهة ذلك، ولهم في ذلك تفصل :
أما المعانقة مع اختلاف الجنسين فلا خلاف في تحريمها إلا بين المحارم. أما الصبي فلا خلاف في جواز معانقته لما ثبت عنه ﷺ، فعن أبي هريرة قال: «فلم يلبث أن جاء يسعى (يقصد الحسن) حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه». [صحيح مسلم (7/ 130 ط التركية)].
قال القرطبي :«ولا خلاف - فيما أحسب - في جواز عناق الصغار كما فعل النبي ـ ﷺ ، وإنما اختلف في عناق الكبير في حالة السلام». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 300)].
أما معانقة الرجل أخاه، والمرأة لأختها المسلمة فمحل خلاف يجمل في ثلاثة أقوال :
القول الأول : منع منه مالك رحمه الله واعتبره بدعة.[الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 326)] ، ودليل من منع :
- عن أنس بن مالك قال :« قال رجل: يا رسول الله، أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال رسول الله ﷺ : لا . قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا . قال: فيصافحه؟ قال: نعم إن شاء». [مسند أحمد (20/ 340 ط الرسالة)]
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف استنكره الإمام أحمد [العلل. ص 782]، وعلى فرض صحته فقد عورض بأحاديث صحيحة ستأتي.
- أن هذا ليس من عمل الصحابة ولم يرد فعله عنهم والعمل على غير ذلك .[الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 326)]
ورُد بأن هذا معلوم وارد عن الصحابة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي ﷺ فابتعت - فابتاع - بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، بعثت إليه أن جابرا بالباب فرجع الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم فخرج فاعتنقني». [الأدب المفرد - ت عبد الباقي (ص337)] وورد عن كثير من السلف، عن معاذة العدوية، قالت: «كان أصحاب صلة بن أشيم إذا دخلوا عليه يلزم بعضهم بعضا». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 247 ت الحوت)].
القول الثاني : هي مباحة، وهو قول الحنفية على الصحيح، والحنابلة وذلك :
- عن جابر قال: «لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي ﷺ». [مسند أبي يعلى (3/ 398 ت حسين أسد)].
ورُد عليهم أنه ضعيف، ولو صح فهو خاص.
وأجيب بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، بل الحكم عام، وتروى قصة في هذا بين مالك وسفيان، فحاج سفيان مالك .
القول الثالث : إنما يحل ذلك لمن جاء من سفر، وهذا قول الشافعية وذلك :
- عن أنس قال: «كان أصحاب النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا». [المعجم الأوسط للطبراني (1/ 37)]. وهذا القول محاولة للجمع بين النصوص.
ورُد عليهم بأن هذا إخبار ولا دليل فيه على منع غير المسافر.
قلت : الأمر واسع ولا يحصر في القادم من السفر بل العناق يكون لمن قدم من سفر وللاشتياق والمحبة في الله، وصريح هذا ما ورد عن أبي بكر وعمر لما خرجا ليلا فلقيا النبي ﷺ وفيه: «فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي ﷺ ويفديه بأبيه وأمه». [سنن الترمذي (4/ 180 ت بشار)]. قال المباركفوري:" (يلتزم النبي ﷺ) أي يضمه إلى نفسه ويعانقه".[التحفة.(30/7)].
وأبو الهيثم لم يكن مسافرا، فالأمر أوسع من حصره في السفر، قال البغوي :«فأما المكروه من المعانقة والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه، فعند التوديع، وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب، وشدة الحب في الله». [شرح السنة للبغوي (12/ 293)].
• المعانقة من الأمور المباحة، لا فرق بين حال الحزن والمحبة في الله والقدوم من السفر ولا دليل يدل على أنها سنة. ولم يبت عن النبي ﷺ ذلك، بل ذهب مالك إلى أن ذلك بدعة، وقال الحنفية والحنابلة إلا أن ذلك مباح لا غير، وقال الشافعية إنما يسن لمن قدم من سفر أو من مكان بعيد.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.
ليس حديثا عن النبي ﷺ، ولم يثبت حديث في احتضان الحزين يبين سنيته، وإنما ورد عنه ﷺ أنه احتضن الجذع الذي حن إليه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن النبي ﷺ كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه، حن الجذع فاحتضنه، فسكن، وقال: لو لم أحتضنه، لحن إلى يوم القيامة». [مسند الدارمي - ت حسين أسد (1/ 182)].
وهذا لا يعني أنه سنة، وإنما هو أمر طبيعي للمواساة ، لذا لم يقل أحد من العلماء بهذا، بل منهم من يرى كراهة ذلك، ولهم في ذلك تفصل :
أما المعانقة مع اختلاف الجنسين فلا خلاف في تحريمها إلا بين المحارم. أما الصبي فلا خلاف في جواز معانقته لما ثبت عنه ﷺ، فعن أبي هريرة قال: «فلم يلبث أن جاء يسعى (يقصد الحسن) حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه». [صحيح مسلم (7/ 130 ط التركية)].
قال القرطبي :«ولا خلاف - فيما أحسب - في جواز عناق الصغار كما فعل النبي ـ ﷺ ، وإنما اختلف في عناق الكبير في حالة السلام». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 300)].
أما معانقة الرجل أخاه، والمرأة لأختها المسلمة فمحل خلاف يجمل في ثلاثة أقوال :
القول الأول : منع منه مالك رحمه الله واعتبره بدعة.[الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 326)] ، ودليل من منع :
- عن أنس بن مالك قال :« قال رجل: يا رسول الله، أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال رسول الله ﷺ : لا . قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا . قال: فيصافحه؟ قال: نعم إن شاء». [مسند أحمد (20/ 340 ط الرسالة)]
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف استنكره الإمام أحمد [العلل. ص 782]، وعلى فرض صحته فقد عورض بأحاديث صحيحة ستأتي.
- أن هذا ليس من عمل الصحابة ولم يرد فعله عنهم والعمل على غير ذلك .[الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 326)]
ورُد بأن هذا معلوم وارد عن الصحابة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي ﷺ فابتعت - فابتاع - بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، بعثت إليه أن جابرا بالباب فرجع الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم فخرج فاعتنقني». [الأدب المفرد - ت عبد الباقي (ص337)] وورد عن كثير من السلف، عن معاذة العدوية، قالت: «كان أصحاب صلة بن أشيم إذا دخلوا عليه يلزم بعضهم بعضا». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 247 ت الحوت)].
القول الثاني : هي مباحة، وهو قول الحنفية على الصحيح، والحنابلة وذلك :
- عن جابر قال: «لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي ﷺ». [مسند أبي يعلى (3/ 398 ت حسين أسد)].
ورُد عليهم أنه ضعيف، ولو صح فهو خاص.
وأجيب بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، بل الحكم عام، وتروى قصة في هذا بين مالك وسفيان، فحاج سفيان مالك .
القول الثالث : إنما يحل ذلك لمن جاء من سفر، وهذا قول الشافعية وذلك :
- عن أنس قال: «كان أصحاب النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا». [المعجم الأوسط للطبراني (1/ 37)]. وهذا القول محاولة للجمع بين النصوص.
ورُد عليهم بأن هذا إخبار ولا دليل فيه على منع غير المسافر.
قلت : الأمر واسع ولا يحصر في القادم من السفر بل العناق يكون لمن قدم من سفر وللاشتياق والمحبة في الله، وصريح هذا ما ورد عن أبي بكر وعمر لما خرجا ليلا فلقيا النبي ﷺ وفيه: «فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي ﷺ ويفديه بأبيه وأمه». [سنن الترمذي (4/ 180 ت بشار)]. قال المباركفوري:" (يلتزم النبي ﷺ) أي يضمه إلى نفسه ويعانقه".[التحفة.(30/7)].
وأبو الهيثم لم يكن مسافرا، فالأمر أوسع من حصره في السفر، قال البغوي :«فأما المكروه من المعانقة والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه، فعند التوديع، وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب، وشدة الحب في الله». [شرح السنة للبغوي (12/ 293)].
• المعانقة من الأمور المباحة، لا فرق بين حال الحزن والمحبة في الله والقدوم من السفر ولا دليل يدل على أنها سنة. ولم يبت عن النبي ﷺ ذلك، بل ذهب مالك إلى أن ذلك بدعة، وقال الحنفية والحنابلة إلا أن ذلك مباح لا غير، وقال الشافعية إنما يسن لمن قدم من سفر أو من مكان بعيد.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.