لم يصح أن عمر هاجر علانية

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بارك الله فيكم.
هل هذه القصة ثابتة عن سيدنا عمر رضي الله عنه :
هاجر الصحابة إلى المدينة خفية إلا عمر رضي الله عنه، فإنه لما أراد الهجرة حمل سيفه وقوسه وأسهمه، ثم ذهب إلى الكعبة فطاف سبعة أشواط وصلى ركعتين، وكانت قريش هنالك، ثم جاءهم وقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه، ويُيَتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني عند هذا الوادي. فلم يلحق به أحد.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هذا الخبر لا يصح، رواه ابن عساكر [تاريخ دمشق لابن عساكر (44/ 51)] وابن الأثير [أسد الغابة في معرفة الصحابة ط الفكر (3/ 649)]  كلاهما من طريق :"الزبير بن محمد بن خالد العثماني، بمصر، سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد الله بن القاسم الأيلي، عن أبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس، قال: قال لي علي بن أبي طالب " ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا متمكنا، ثم أتى المقام، فصلى متمكنا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه ".
قلت : هذا إسناد ضعيف، فالزبير بن محمد وعبد الله بن القاسم الأيلي ووالده، كلهم لا يعرفون ولم اجد من ترجم لهم.
قال الدكتور أكرم العمري : «وأما ما روى من إعلان عمر لهجرته ‌وتهديده ‌من ‌يلحق ‌به بثكل أمه فلم يصح». [السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (1/ 206)].

والظاهر أن عمر بن الخاطب هاجر كباقي الصحابة، فعن ‌البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «أول ‌من ‌قدم ‌علينا ‌مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قدم حتى قرأت: {سبح اسم ربك الأعلى} في سور من المفصل.». [صحيح البخاري (5/ 66 ط السلطانية)].
وقال ابن إسحاق: «ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي، حتى قدما المدينة. فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب - قيل موضع وقيل شجر - من أضاة بني غفار- أضاة بنى غفار: على عشرة أميال من مكة -، فوق سرف- مَوضِع على ستة أميال من مكة- وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ‌ربيعة ‌عند ‌التناضب، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن». [سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد (2/ 85)] .

فهذا الخبر الصحيح في قصة هجرة عمر رضي الله عنه يخالف الحديث الضعيف المشهور عند كثير من الناس من أن عمر رضي الله عنه أعلن هرجته.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.