حج المرأة مع غير محرم
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا كيف حالك عساك بخير.
أريد أن أسأل عن حكم سفر المرأة للحج بدون محرم، مع العلم بوجود رفقة آمنة. وهل يدخل المحرم في الاستطاعة كما في قوله تعالى" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"
جزاكم الله خيرا، ونفع بكم.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
• الخلاصة : «أجمع العلماء على أنه لا يحل لمؤمنة أن تسافر وحدها كسفر النزهة والدراسة.. ولم يختلفوا في جوازه إذا اضطرت هربا بدينها أو على نفسها.. وإنما الخلاف في الحج لا في غيره، فقال الحنفية والحنابلة لا تحج ولو مع رفقة، وخالفهم في ذلك المالكية والشافعية فقالوا لها أن تسافر مع رفقة آمنة للحج. لا للنزهة والدراسة ونحوه مما يتوسع فيه دعاة العصر».اهـ.
أجمع العلماء على حكمين واختلفوا في واحد. أما المجمع عليه :
فقد أجمع العلماء على أن المسلمة لا تسافر وحدها سفرا غير واجب، كسفر النزهة والدراسة ونحوه.. لقول النبي ﷺ :«لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. [صحيح البخاري (3/ 19 ط السلطانية)]. قال القاضي عياض:«ولم يختلفوا أنه ليس لها أن تخرج في غير فرض الحج إلا مع ذي محرم». [إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 446)]. وقال القرطبي :«لم يختلف في أنها ليس لها أن تسافر سفرا غير واجب مع غير ذي محرم أو زوج». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 450)]. وقال البغوي :«لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم». [فتح الباري لابن حجر (4/ 76)]. فلا نعلم كيف زاد الدعاة اليوم جواز سفرها لغير واجب، كالنزهة والدراسة.. !.
ولم يختلفوا في جواز سفرها إذا خافت الضرر على دينها ونفسها والفرار من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا لم تجد محرما، قال أبو العباس القرطبي :«ألا ترى أنه قد اتفق على أنه يجب عليها أن تسافر مع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها، وتهاجر من دار الكفر كذلك». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 450)].
وإنما اختلفوا في السفر الواجب كالحج، فمنع منه الحنفية والحنابلة، وأجزاه الشافعية والمالكية مع رفقة مأمونة، غير أن المالكية قالوا إن وجد محرم لها لم يحل، وإنما يحل إن عجز أو عُدم.
والذي قاله الشافعية والمالكية استلوا له بحديث عدي بن حاتم قال «بينا أنا عند النبي ﷺ إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله. [صحيح البخاري (4/ 197 ط السلطانية)]. فالنبي ﷺ أخبر أنه سياتي زمان ينتشر فيه الأمان حتى تسافر المرأة وحدها.
ويجاب عن هذا الحديث بجوابين :
1. أن هذا خبر منه ﷺ لا يعني تجوزيه، ألم تر إلى أن النبي ﷺ ذكر: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا. [مسند أبي داود الطيالسي (3/ 483)]. وهذا لا يعني جوازها، وإنما هو إخبار لما سيقع.
2. الواجب تنزيل الحديث على عصرنا، وهل وجود الطائرة والسيارة يوجب الأمن مع كثرة الفساد والفسق والفجور، ثم لم لم يأذن لها النبي ﷺ أن تخرج مع الصحابة وهم أأمن من قومنا اليوم؟!.
ثم استدلوا أيضا بما رواه البخاري عن إبراهيم «أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي ﷺ في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن». [صحيح البخاري (3/ 19 ط السلطانية)].
ويجاب عن هذا بأجوبة :
1. ليس في الخبر أنهن سافرن من غير محرم، فقد ذكر ابن الجوزي : «حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهن أولياؤهن ممن لا تحتجبن منه، وجعل في مقدم قطارهن: عبد الرحمن بن عوف، وفي مؤخره: عثمان بن عفان». [المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (4/ 327)].
2. عن أبي واقد قال :«سمعت رسول الله ﷺ يقول لأزواجه في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر.». [سنن أبي داود (2/ 71 ط مع عون المعبود)]. فقوله الحصر يعني لزوم البيوت. فتبين أن أن ذلك كان اجتهادا منهن، لذا لم تقبل به بعض زوجات النبي ﷺ، قال أبو هريرة: «فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبي ﷺ». [مسند أحمد (44/ 332 ط الرسالة)].
3. الاستدلال بخبر زوجات النبي ﷺ يوجب التشبه بهن في كل ذلك، لأنه كن يخرجن في هودج، ولم يكن يراهن أحد، والهودج هو ذلك البيت الذي فوق الجمال، فيخرجن ويطفن فيه.. عن أبي إسحاق السبيعي :«رأيت نساء النبي صلى الله عليه وعليهن وسلم حججن في زمن المغيرة في هوادج عليها الطيالسة». [التاريخ الكبير للبخاري (6/ 348 ت المعلمي اليماني)].
والحنفية والحنابلة استدلوا بالأحاديث العامة التي لم تستثن الحج، كما استدلوا بأدلة صريحة، فعن ابن عباس: «سمعت النبي ﷺ يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق، فحج مع امرأتك ». [صحيح مسلم (4/ 104 ط التركية)].
وأصرح منه رواية الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: «جاء رجل إلى المدينة ، فقال النبي ﷺ: أين نزلت؟. قال: على فلانة ، قال: أغلقت عليك بابها لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم». [سنن الدارقطني (3/ 227)]. وهذا صريح في منعها من الحج إلا مع محرم لها.
وبهذا تدخل التي لا تجد محرما في قول الله ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. فقد سأل إسحاق بن منصور الإمام أحمد : «امرأة موسرة ليس لها محرم؟. قال: المحرم من السبيل». [مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (5/ 2079)].
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.