هند لم تأمر وحشي بن حرب بقتل حمزة ولا أكلت كبده
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله.ما صحة قصة هند بنت عتبة أكلها لكبد حمزة بن عبد المطلب.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
تروج بعض الكتب والأفلام أن هند بنت عتبة هي من أمرت وحشي بن حرب بقتل حمزة، وهذا لا أصل له ولم تذكره كتب السير المعتمدة، وإنما ذكر هذا وفق ما اطلعنا ابن القطعة قال:"وقالت هند بنت عتبة : من قتل النبي، أو حمزة، أو علي، أعطيته عشرين أوقية من الذهب..إن قتلت حمزة فأنت حر..".(ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار.ص:96).
وابن القطعة هذا رجل مجهول، والخبر من غير سند.
وحاول البعض الاستدلال برواية ابن إسحاق:"عن صالح بن كيسان أنه حدث، أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت: " يابن الفريعة لو سمعت هندا ورأيت أشرها، قائمة على صخرة، ترتجز بنا، وتذكر ما صنعت بحمزة؟ "، وقد كان الحليس بن زبان، أخو بني الحارث بن عبد مناف، وهو يومئذ سيد الأحابيش، قد مر بأبي سفيان، وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح، ويقول: ذق عقق فقال الحليس: يا بني عبد كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون، فقال: ويحك اكتمها علي، فإنها زلة كانت".(سيرة ابن هشام.29/2).
وهذه الرواية مع انه لا تصريح فيها بذلك، إلا أنها لا تصح، فصالح بن كيسان ولد سنة 40 وعمر مات سنة 23، فكيف يروي عن عمر؟.وهو نفسه قال:"حدث" أي حدثه أحدهم، من هو وما حاله؟. لا أحد يعلم.
وإنما الذي أمر وحشي بن حرب هو جبير بن مطعم، فعن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال:"خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي، نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلاما بمكة، فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فلكأني نظرت إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر..".(البخاري.4072).
أما محاولتها أكل كبد حمزة فهي أيضا لا تصح، وقد أخطأ من صححها خطأ فاحشا ظاهرا بينا.
وقد يقول قائل:"لا عيب في كونها فعلت ذلك، فقد كانت حينها كافرة".
نقول : بل يعيبها إن علمت أن في بعض الروايات -وخاصة التي صححها بعض أهل العلم- أنها من أهل النار!!.
فعند الإمام أحمد:"حدثنا عفان، حدثنا حماد، حدثنا عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود..فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أأكلت منه شيئا؟. قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار".(المسند4414).
فقوله :"ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار". دليل على أنها من أهل النار!!. وقد صححها محققو المسند (4414) وأحمد شاكر (4414). والحديث عند ابن سعد في (الطبقات الكبرى.3/13). وابن عساكر في (تاريخ دمشق.70/175).وابن أبي شيبة (المصنف36783).
والحقيقة هي أن الرواية لا تصح وفيها علل :
-عطاء بن السائب هو : عطاء بن السائب بن مالك بن زيد، اختلط، ورواية المختلط لا تصح إلا برواية من سمع عنه قبل الاختلاط، والآخذ عنه في السند حماد بن سلمة بن دينار، واختلفوا في سماعه من عطاء : فقال قوم كان سماعه قبل الاختلاط، فتكون روايته صحيحة، وعلى هذا القول اعتمد محققو المسند وأحمد شاكر، وهو قول الجمهور كما نسبه العراقي، وهو قول يحيى بن معين وأبو داود والطحاوي ومحمد الكتاني.
وقال قوم بل انه سمعه بعد الاختلاط، قال ابن القطان الفاسي:"حماد بن سلمة إنما سمع من عطاء بعد اختلاطه ، وإنما يقبل من حديث عطاء ما كان قبل أن يختلط".(بيان الوهم والإيهام.3/272).
والحقيقة أنه حماد سمع منه مرتين، مرة قبل الاختلاط ومرة بعدها، وهذا مشكل، لانه لا يمكن تمييز ما سمع قبل الاختلاط مما سمعه منه بعد ذلك. قال ابن حجر:"" فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري ، وشعبة ، وزهير ، وزائدة ، وحماد بن زيد ، وأيوب : عنه صحيحٌ ، ومن عداهم فيتوقف فيه ، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم ، والظاهر أنه سمع منه مرتين ؛ مرّة مع أيوب - كما يوحي إليه كلام الدارقطني - ، ومرَّةً بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة ، وسمع منه جريرٌ وذووه".(تهذيب التهذيب.7/206).
قال الدارقطني:" دخل عطاء بن السائب البصرة وجلس، فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحله الأولى صحيح، والرحلة الثانية فيه اختلاط".(موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله.451/2).
-الشعبي واسمه عامر بن شراحيل، لم يسمع من بن امسعود،قال الحاكم:"لم يسمع عبد الله بن مسعود ، إنما رآه رؤية".(سؤالات مسعود بن علي السجزي.149).قال الهيثمي:"الشعبي لم يسمع من ابن مسعود".(مجمع الزوائد.298/5). قال الداراقطني:"لم يسمع من ابن مسعود و إنما رآه رؤية".(رواة التهذيب.3092).
وروى البيهقي (دلائل النبوة.3/282):"أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير.. ووجدوا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، واحتملت كبده، حملها وحشي، وهو قتله وشق بطنه، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر..".
قلت : هذا إسناد ضعيف :
- محمد بن عمرو الحراني، مجهول.
- ابن لهيعة مشهور اختلط آخر عمره.
والقصة أيضا عند ابن كثير:"ذكر موسى بن عقبة: أن الذي بقر عن كبد حمزة وحشي فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فالله أعلم".(42/2).
وقال الذهبي في (التاريخ.2/187):"وقال موسى بن عقبة..ووجدوا حمزة بن عبد المطلب قد بقر بطنه وحملت كبده، احتملها وحشي وقد قتله، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر..".
قلت : موسى بن عقبة لم يدر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غزواته.
وذكر الواقدي تفصيلا أبشع من هذا:"وذكرت هندا وما لقيت على أبيها وعمها وأخيها، وانكشف عنه أصحابه حين أيقنوا موته ولا يروني، فأكر عليه فشققت بطنه فأخرجت كبده، فجئت بها إلى هند بنت عتبة، فقلت: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي! فقلت: هذه كبد حمزة. فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري لم تسغها أو قذرتها. فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيه، ثم قالت:
إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير. ثم قالت: أرني مصرعه! فأريتها مصرعه، فقطعت مذاكيره، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة، وقدمت يكبده معها".(المغازي.1/286).
وليس غريبا فالواقدي متهم.
وروى الطبراني (الكبير.2727).:"حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ح وحدثنا عبد الرحمن بن سلم الرازي، قالا: ثنا عباد بن يعقوب الأسدي، ثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كبير، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي رضي الله عنه، فجاءه رجل، فقال: لقد سب عند معاوية عليا رضي الله عنهما سبا قبيحا رجل يقال له معاوية يعني ابن حديج تعرفه؟ قال: نعم. قال: إذا رأيته فائتني به. قال: فرآه عند دار عمرو بن حريث، فأراه إياه، قال: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت فلم يجبه ثلاثا، ثم قال: «أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد، أما لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمرا حاسرا ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".
قلت : هذا إسناد واه بمره :
- عباد بن يعقوب الرواجني، متروك الحديث لتشيعه والغلو في ذلك وكان يتناول بعض الصحابة،قال ابن حبان:"كان رافضيا داعية ، و مع ذلك يروى المناكير عن المشاهير فاستحق الترك".(تهذيب التهذيب.5/110). قال ابن حجر معلقا على كلام ابن حبان:" بالغ ابن حبان فقال : يستحق الترك".(تقيب التهذيب.291).قال الذهبي:"روى: علي بن محمد الحبيبي، عن صالح جزرة، قال: كان عباد يشتم عثمان -رضي الله عنه- وسمعته يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة، قاتلا عليا بعد أن بايعاه".(السير.11/537). وقال المعلمي اليماني:"عباد على رفضه وحمقه صدوق".(الفوائد المجموعة.380).
- علي بن عابس : قال يحيى:" ليس بشيءٍ".وكذلك قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، والنَّسَائي، وأبو الفتح الأزدي.وَقَال ابن حبان : فحش خطأه فاستحق الترك".(راجع:التهذيب.20/502).وقال الساجي:"عنده مناكير".(إكمال التهذيب لمغلطاي.9/349).
- أبو كبير ذاك مجهول.
وروى النسائي (السنن الكبرى.8523):" أخبرني معاوية بن صالح قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال: حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي، عن علقمة بن قيس قال: قلت لعلي: «تجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد حكما» قال: إني كنت كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، وسهيل بن عمرو فقال سهيل: «لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها» فقلت: «هو والله رسول الله، وإن رغم أنفك، لا، والله لا أمحها» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أرني مكانها، فأريته فمحاها» وقال: «أما إن لك مثلها، ستأتيها وأنت مضطر".
قلت : وهذا إسناد ضعيف أيضا :
-عمرو بن هشام، قال النسائي:"ليس بالقوي".وقال البخاري:"فيه نظر".وقال مسلم:"ضعيف".وقال أحمد:"صدوق، لم يكن صاحب حديث".وقال أبو حاتم:"لين الحديث".(ميزان الاعتدال.290/3). قال ابن حجر:"كان صدوقا ، و لكنه كان يخطىء كثيرا".(تهذيب التهذيب 8 / 112).
- ابن إسحاق مشهور مدلس وقد عنعن.
- عبد الرحمن بن صالح، صدوق لكنه شيعي.قال صالح جزرة:"كان يقرض عثمان".وقال أبو داود:"ألف كتاباً في مثالب الصحابة رجل سوء".وقال ابن عدي:"احترق بالتشيع".وقال أبو أحمد الحاكم:"خولف في بعض حديثه".(راجع:ميزان الاعتدال.2/569).
المجيب : د. قاسم اكحيلات.