إخراج زكاة الفطر نقدا
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا الفاضل ما قولكم في مسألة إخراج الزكاة مالا، فقد كثر الجدال ككل سنة بارك الله فيكم.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
• الخلاصة : «اختلف العلماء في إخراج زكاة الفطر نقدا، فالذي عليه الجمهور منع ذلك، وذهب أبو حنيفة إلى جواز ذلك، وقال بعض المحققين جواز ذلك للمصلحة. والمسألة لا تستحق النزاع والتبديع. فالسعيد من أخرجها طعاما، ومن أخرجها مالا صحت».
اختلف العلماء في حكم إخراج زكاة الفطر مالا، القول الأول : المنع، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة واستدلوا :
- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر، صاعا من تمر أو صاعا من شعير.. ». [صحيح البخاري (2/ 130 ط السلطانية)]. فرسول الله ﷺ بين أنواع الزكاة، ولو كانت القيمة تجزئ لبينها.
ورُد عليهم بأن هذا ليس حصرا للأنصاف بل هو بيان للأيسر والمنتشر زمانه وما الناس أحوج إليه.
- النقود كانت زمنه ولو جازت لأجازها. ورد عليهم بأن البر والشعير والتمر كانت نقودا سلعية في ذلك الوقت لقياس قيم السلع الأخرى.
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله ﷺ يوم الفطر صاعا من طعام. وقال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر». [صحيح البخاري (2/ 131 ط السلطانية)]. وفيه أن الصحابة كانوا يخرجونها بما ذكر من أصناف، ورد عليهم بأن بعض الصحابة فعل خلاف ذلك.
-عن ابن عباس، قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين». [سنن ابن ماجه (1/ 585 ت عبد الباقي)]. فقد سماها طعمة.
ورد عليهم بأن قوله (طعمة) أشمل من الطعام، عن عمران بن حصين، أن رجلا أتى النبي ﷺ، فقال: إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟، فقال: «لك السدس»، فلما ولى دعاه، فقال: «لك سدس آخر»، فلما ولى دعاه، فقال: «إن السدس الآخر طعمة». [السنن الكبرى - النسائي - ط الرسالة (6/ 110)]. والميراث لا يختص بالطعام وحده. وقال ﷺ:«إن الله عز وجل، إذا أطعم نبيا طعمة، ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده». [مسند أحمد (1/ 192 ط الرسالة)].
- هذا تدارك على النص، ولا يجوز الخروج عليه إلى غيره. ورد عليهم بأنكم خرجتم وأبحتم إخراجها سلتا وذرة وقطاني ولحما.
القول الثاني الجواز : وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري، وبه قال أبو يوسف و أبو جعفر الطحاوي وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور وابن حبيب وأصبغ وابن أبي حزم وابن دينار وابن وهب.[تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال].
واستدلوا :
- قال ربنا:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة: 103]. قالوا هذا هو الأصل وهو المال، وما نص عليه النبي ﷺ إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا للتقييد الواجب وحصر المقصود فيه.
ورد عليهم بأن المال يطلق على كل ما يمول به من أنعام وغيرها، وحصرها في النقود لا يستقيم.
- قال ﷺ:«اغنوهم عن طواف هذا اليوم». [السنن الكبرى - البيهقي (4/ 292 ط العلمية)]. وقالوا الإغناء يحصل بالقيمة.
ورد عليهم بأن الحديث أصلا ضعيف. وإن صح فالإغناء يحصل أيضا بالطعام فلا فرق.
- وعن طاوس أن معاذا قال لأهل اليمن:«ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة». [صحيح البخاري (2/ 116 ط السلطانية)]. وهو خبر معلق.
وأجيب بأن هذا اجتهاد منه، ثم هذا قياس ولا قياس مع النص. وأجاب الإسماعيلي:«باحتمال أن يكون المعنى ائتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ». [فتح الباري لابن حجر (3/ 312)]. وقيل أن المقصود به هنا الجزية.
- وقال رسول الله ﷺ:«من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء». [صحيح البخاري (2/ 116 ط السلطانية)].
ورد عليهم بأن هذا في المفقود، فلو فرضنا فقدان الطعام فحينها يمكن اللجوء للنقود. ثم هذا في زكاة الأموال لا زكاة الفطر.
-عن زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول:«أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام». [مصنف ابن أبي شيبة (2/ 398 ت الحوت)]. ورد عليهم بأن الخبر فيه ضعف، وإن صح فليس فيه تصريح بأنه كان يقصد الصحابة.
-وعن الصنابحي قال: «رأى رسول الله ﷺ في إبل الصدقة ناقة مسنة، فغضب وقال: " ما هذه؟ " فقال: يا رسول الله، إني ارتجعتها ببعيرين من حاشية الصدقة، فسكت». [مسند أحمد (31/ 414 ط الرسالة)].
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف، وإن صح فليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على القيمة أصلا وقد يكون ذلك من باب البيع والشراء بإذن الإمام. وناقة كوماء أي عظيمة السنام قد تكون جذعة وقد تكون حقة فأعطى ما عليه بأحسن ما قدر. فليس فيه تحديد للسن.
- عند البخاري أن معاوية:«رأى أن مدين من بر تعدل صاعا من تمر». «1508». [صحيح البخاري (2/ 131 ط السلطانية)]. وعند أبي داود :فلما كان عمر رحمه الله، وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة من تلك الأشياء». [سنن أبي داود (2/ 28 ط مع عون المعبود)].
ورد عليهم أنهما لم يخرجا عن غالب قوت أهل البلد، وإنما استبدلا طعاما مكان طعام. وأجيب عن هذا بانهما نظرا إلى التعادل فقد فهم عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان قضية التعادل أو المعادلة بين شيئين أحدهما منصوص عليه والآخر غير منصوص عليه وعملا به، فأخذ الناس بذلك كما نطقت الآثار.(الجامع لأحكام الصيام.أبو إياس).
-أداء القيمة أهون على الناس وأيسر في الحساب. وأجيب بأن زكاة الفطر تتصف بالوضوح واليقين واليسر والملاءمة.
القول الثالث : المنع إلا لحاجة، وانتصر له ابن تيمية، قال :«وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به»..مجموع الفتاوى (25/ 82)].
هذه أشهر أدلة المذاهب، فمن أخرجها طعاما فو السعيد، ومن أخرجها نقدا فقد أجزأته.ولا داعي للتبديع والتفسيق والحكم ببطلان أعمال الناس.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.