صلاة الجمعة لمن صلى العيد
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا الفاضل بارك الله فيكم. اذا صادف العيد يوم الجمعة، هل من صلى العيد تجب عليه الجمعة أم لا؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
• الخلاصة «اختلف العلماء فيما لو اجتمعت الجمعة والعيد، فقال الحنفية والمالكية لا تسقط الجمعة، وقال الحنابلة من صلى العيد سقطت عنه الجمعة، وخص الشافعية سقوطها بأهل البوادي. ومن صلاهما فقد خرج من الخلاف، والذي نراه سقوط الجمعة لمن صلى العيد».
اختلف في ذلك على أكثر من ثمانية أقوال أشكلها ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا تسقط الجمعة وهي واجبة في حق كل مسلم، وهذا قول الحنفية.[الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 84)] وهو أيضا مذهب مالك[المدونة (1/ 233)].
واستدلوا :
- قال ربنا﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)﴾ [الجمعة: 9]. وهذا الأمر عام بدليل قطعي ولا دليل على تخصيصه.
ورد عليهم أن هذا الدليل قد خصص بما سيأتي.[سبل السلام شرح بلوغ المرام (3/ 146 ت حلاق)].
-قال ﷺ:«الجمعة حق واجب على كل مسلم. [سنن أبي داود (1/ 412 ط مع عون المعبود)].
فالجمعة واجبة وصلاة العيد سنة فيقدم الواجب على المسنون، وما ذكرتم لا نظير له في الشرع.
ورد عليهم بأنه على فرض القول بسنية صلاة العيد فلا بد لكم من دليل يمنع تخصيص سقوط الجمعة بالعيد. أما النظير فلا يجوز إثبات مالا نظير له إلا بنص، والنص ظاهر.
- عن النعمان بن بشير قال: « كان رسول الله ﷺ يقرأ، في العيدين وفي الجمعة، بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}. قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين .». [صحيح مسلم (3/ 15 ط التركية)].
فهذا حديث صحيح، بين الدلالة أن الجمعة والعيد كانا إذا اجتمعا في يوم واحد على عهد رسول الله ﷺ، صلى الصلاتين كليهما، كل واحدة منهما في وقتها، ولم يترك واحدة منهما بفعله الأخرى.[اللمعة ببيان أن صلاة العيد لا تجزئ عن صلاة الجمعة.أبو محمد السكندري].
ورد عليهم بأن غاية ما في الرواية فعله ﷺ، ونحن لا نختلف معكم في فعلها وإنما الخلاف في سقوطها.
- هما صلاتان واجبتان-على القول بوجوب صلاة العيد- لم تسقط إحداهما كالظهر مع العيد. ورد عليهم بان هذا منقوض بالظهر مع الجمعة فتسقط الظهر بالجمعة.[راجع:التنديد بمن أسقط الجمعة عن من صلى العيد.أبو الفضل الفلسطيني].
القول الثاني : لا حرج في ترك الجمعة وصلاة العيد تغني عنها لكن الإمام يقيمها لمن رغب في صلاتها وهو قول الحنابلة.[المغني لابن قدامة (3/ 242 ت التركي)]
واستدلوا :
- عن إياس بن أبي رملة الشامي، قال: «شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله ﷺ عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل». [سنن أبي داود (1/ 416 ط مع عون المعبود)]. وصححه الحاكم والألباني وأحمد شاكر وجود إسناده حسين سليم وصححه الأرنؤوط، وحسنه النووي.
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف.
قلت : الحديث رواه الطيالسي«720». [مسند أبي داود الطيالسي (2/ 65)] وابن أبي شيبة«5846». [مصنف ابن أبي شيبة (2/ 8 ت الحوت)]، والدارمي«1653». [مسند الدارمي - ت حسين أسد (2/ 1003)].. من طرق عن إسرائيل ثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة بمثله.
إياس بن أبي رملة، مجهول، كذا قال ابن االمديني و ابن القطان الفاسي والذهبي وابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات وليس يفيد هذا فسنده ضعيف.
- عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله». [سنن ابن ماجه (1/ 416 ت عبد الباقي)]. وصححه الحاكم وقال الذهبي صحيح غريب، وصححه الألباني والحويني. والظاهر أن الحديث عن أبي هريرة لا عن ابن عباس.
ورد بأن عليهم بأن الحديث ضعيف، ففيه بقية بن الوليد، وهو مدلس.
إلا أن الحاكم «بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين». [المستدرك على الصحيحين للحاكم - ط العلمية (1/ 425)].
ومن أجل هذا الكلام حسنه أبو إسحاق الحويني، وفي هذا نظر.
فبقية كان يدلس تدليس التسوية، «قال أبو حاتم بن حبان: كان بقية يروي عن كذابين وثقاة ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم يدلس عنه». [الموضوعات لابن الجوزي (2/ 271)].
-عن ابن عمر، قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله ﷺ فصلى بالناس، ثم قال: «من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف». [سنن ابن ماجه (1/ 416 ت عبد الباقي)].
ورد بان الحديث ضعيف.
وهو عند ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا مندل بن علي ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ..".
جبار ذاك هو جبارة بن المغلس الحماني، كذبه ابن معين قال البخاري:"حديثه مضطرب".قال الدراقطني:"متروك".قال ابن حجر:"روى عن كثير بن سليم الرازي نسخة موضوعة".
ومندل هو مندل بن علي العنزي، ضعفه ابن المديني والدارقطني وابن حجر ، وقال ابن حبان:"كان مرجئا من العباد إلا أنه كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه فلما سلك غير مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ وفحش ذلك منه عدل به غير مسلك العدول فاستحق الترك".
وللحديث طريق آخر عند الطبراني في (الكبير):"عن محمد بن يوسف التركي، عن عيسى بن إبراهيم البركي، عن سعيد بن راشد السماك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر".
عيسى بن إبراهيم بن سيار، قال ابن معين:"لا يساوي شيئا أو ليس حديثه بشيء" ووثقه بعضهم ولعله صدوق يهم كما قال ابن حجر.
وسعيد السماك قال يحيى :"سعيد السماك الذي يروي من أذن فهو يقيم ليس بشيء".وقال البخاري:"منكر الحديث".(راجع الكامل في الضعفاء). فالحديث سنده ساقط.
-وهب بن كيسان قال «اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة». [سنن النسائي (3/ 194)]. فقول ابن عباس:"أصاب السنة". هذا له حكم المرفوع.
ورد عليهم بأن الحديث مضطرب.[التمهيد - ابن عبد البر (7/ 117 ت بشار)] ثم هب أنه صحيح، ففيه أنه ترك حتى صلاة الظهر ولم يصلها، ولم تقولوا بهذا.
ورد عليهم بأن الحديث صحيح ولا وجه إعلاله.
قلت : فعلا في إعلاله نظر فإن أصح الطرق لا اضطراب فيها بل أكثر الطرق صحيحة غير مضطربة فإعلالها سندا لا يظهر.(راجع:اجتماع العيدين.أبو سليمان الصومالي).
والحديث روي من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن وهب. وروي من طريقه عن وهب.
وهذا لا اضطراب فيه، فيكون قد رواه مرة عن والده ومرة عن وهب مباشرة. ثم رواية الذين رووه عن عبد الحميد عن وهب مقدمون على رواية عبد الله بن حمران عن عبد الحميد عن وهب عن أبيه، فهم أكثر عددا.
أما القول أن ابن الزبير أسقط الظهر:فإنه لا يجوز أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال[معالم السنن (1/ 246)]
أو أنه صلى الظهر في بيته، قال الصنعاني:«ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيدا على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله»[سبل السلام شرح بلوغ المرام (3/ 146 ت حلاق)].
القول الثالث : أن سقوطها خاص بأهل البوادي وهو قول الشافعية [الأم للإمام الشافعي (1/ 274 ط الفكر)]،وهو وراية عن مالك.
- عن عثمان رضي الله عنه، خطب وقال:يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له،». [صحيح البخاري (7/ 103 ط السلطانية)].
ورد عليهم بأن ظاهر الحديث في كونهم من أهل العوالي أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن المسجد.[فتح الباري لابن حجر (10/ 27)]. ثم قوله "أذنت" لا دليل فيه إذ لو كان مباحا ما احتيج لإذنه.
-عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: اجتمع عيدان على عهد النبي ﷺ فقال: «من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج». [مسند الشافعي (ص77)].
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف.
قلت : هو ظاهر فعمر بن عبد العزيز لم يدرك النبي ﷺ.
وبهذا فقد ظهر لك مذهبك إن كنت مقلدا، وإن كنت مرجحا فقد وقفت الأدلة، فلا يحتاج الأمر لا إلى تبديع أو تفسيق ولا حتى تعصب.
والذي نراه جواز التخلف عن الجمعة، وأن المستحب حضورها، وذلك للأحاديث المتقدمة وإن كانت ضعيفة فهي ترتقي لدرجة الحسن، ويشهد لها حديث ابن الزبير فهو قوي، ومن صلاهما فقد خرج من الخلاف لما هو أسلم.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.