الجمع بين جوع النبي ﷺ وقوله : إن الله يطعمني ويسقيني
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم شيخنا عساكم بخير سؤال بارك الله فيكم ما وجه الرد على من يقول أن هنالك تعارض بين ما روى البخاري ومسلم عن أنس ـ رَضِيَ الله عنه ـ أنّه وجد الرسول ـ ﷺ ـ يومًا قد عصب بطنَه بعِصابة، وذلك من الجوع وما روى أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : لقد رأيتُنا وما لنا ثِياب إلا البُرُد المُتفتِّقة، وإنّه ليأتي على أحدنا الأيّامُ ما يجد طعامًا يقيم به صُلبَه، حتى أنّ أحدّنا ليأخذ الحجر فيشدُّ به على أخمصِ بطنِه ثم يشدُّه بثوبه ليقيم صُلبَه وحديث النهي عن الوصال في الصوم لقوله ﷺ إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: «لا تواصلوا. قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني». [صحيح البخاري (9/ 97 ط السلطانية)].
وقد وردت أحاديث فيها إثبات إحساس النبي ﷺ بالجوع، كحديث أنس:«جئت رسول الله ﷺ يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة، قال أسامة: وأنا أشك على حجر، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله ﷺ بطنه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة، وهو زوج أم سليم بنت ملحان، فقلت: يا أبتاه، قد رأيت رسول الله عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه، فقالوا: من الجوع». [صحيح مسلم (6/ 120 ط التركية)].
وبيان هذا :
- أولا : أن هذا الحديث من العلماء من استنكره، وهذا دليل على أن العلماء كانوا ينظرون في المتن لا كما يزعم جهلة عصرنا، وكانوا يستشكلون المعاني أيضا، فلا يزعم أحد اليوم الذكاء. ومن رده ابن حبان بقوله :«هذا الخبر دليل على أن الأخبار التي فيها ذكر وضع النبي ﷺ الحجر على بطنه هي كلها أباطيل وإنما معناها الحجز لا الحجر، والحجز طرف الإزار إذ الله جل وعلا كان يطعم رسول الله ﷺ ويسقيه إذا واصل، فكيف يتركه جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد حجر على بطنه، وما يغني الحجر عن الجوع». [الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (8/ 345)].
- ثانيا : رد على العلماء على ابن حبان رحمه الله، وبينوا خطأه، وهذا دليل على نقاشاتهم العلمية، لا كما يزعم سفهاء قومنا اليوم، وقد ردوا على ما يظهر فيه التعارض بأجوبة كثيرة منها :
أن ذلك كان من فعله ﷺ لمواساتهم وحتى يعلموا أن لم يخف عنهم شيئا، قال القاضي :«وقيل: إنما فعل هذا - عليه السلام - موافقة لأصحابه، أو ليعلمهم أنه ليس عنده طعام استأثر به دونهم، وإن كان هو فى هذا الباب بخلافهم». [إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 521)].
أن ذلك متغير بتغير الحال، فأحيانا يحصل منه الوصال فيطعمه الله ويسقيه وأحيانا لا يفعل، قال الزرقاني:«فيحمل ذلك على تعدد الحال، فكان أحيانا يجوع إذا لم يواصل ليتأسى به أصحابه، ولا سيما من لم يجد شيئا». [شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 468)].
وقالوا أن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام ولا شراب، كما يحفظها بالطعام والشراب، فكأنه قال: إن الله تعالى يحفظ علي قوتي بقدرته، كما يحفظها بالطعام والشراب. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 161)]. وذلك لأنه لو كان يطعمه حقيقة لكان مفطرا لا صائما!. ولو كان فعلا يشبع لما كان لصومه فائدة! فيحمل على أن الله يحفظ عليه قوته. فانظر لمن يريد الحق كيف يجمع بين النصص فتجتمع، وبين من يريد الخوض في السنة لهوى وغرض في نفسه.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.