كيد النساء
السؤال :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا شيخنا. بارك الله فيك و نفع بك. أود أن أستفسر في مسألة دينية لا دليل عندي فيها، و الأمر هنا يتعلق بكثرة القيل والقال حول تفسير آية "إن كيدهن عظيم" من سورة يوسف مفادها حسب رأي نفر كبير من الناس أن المرأة خداعة مكارة و متلاعبة... و كيدها أشدّ من كيد الرجال و تعد مثالا بارزا للدسيسة و الأفعال الشيطانية...
أريد من حضرتك جزاك الله خيرا أن أعلم ما رأي الدين بخصوص هذه القضية، وما الأدلة النابعة منه التي تدافع عن مكانة المرأة تبطيل هذه الاتهامات حولها؟
و السلام عليكم.
أريد من حضرتك جزاك الله خيرا أن أعلم ما رأي الدين بخصوص هذه القضية، وما الأدلة النابعة منه التي تدافع عن مكانة المرأة تبطيل هذه الاتهامات حولها؟
و السلام عليكم.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
- فهم كتاب الله لا يكون من مطلق نسوي، بل يُفهم وفق مراده جل شأنه، لا مراد من يجعل الأنثى محور الكون، ثم بعد ذلك ببدأ بتحريف نصوص الشرع. فالمسلمة حينما تريد فهم شرعها تستحضر عظمة الله، لا اتهام الملحدين والعلمانيين. فالمسلمة تقابل أحكام الله بالتسليم، وتعلم يقينا الله جل شأنه عدل لا يظلم ذكرا ولا أنثى.
- ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28] . هذا من كلام عزيز مصر لا من كلام ربنا، أي لما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به، {قال إنه من كيدكن} أي: إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن، {إن كيدكن عظيم}. [تفسير ابن كثير - ت السلامة (4/ 384)]. لكنه كلام صدق، لأن ربنا أقره ولم يبطله، وهو قول يوسف ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50] .
- الكيد هو فعل شيء في صورة غير المقصودة للتوصل إلى مقصود. [التحرير والتنوير (12/ 258)]. وبهذا فالكيد يكون في الحق ويكون في الباطل، فما كان في الحق فهو مقبول، وما كان في الباطل فهو مردود. فالحق كقول ربنا ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: 76] . قال ابن كثير :«وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة». [تفسير ابن كثير - ت السلامة (4/ 401)].
- كيد النساء أعظم مقابلة مع كيد الرجال فيما يتعلق بالعلاقة بينهما، وإلا فكيد الرجال في الحروب والتجارات أكبر وأعظم، وهذا الوصف حينما يكون في الحق لا ينبغي رده، لأنه حقيقة. فعن أبي موسى قال: «مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فعادت، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف. فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.». [صحيح البخاري (1/ 136 ط السلطانية)]. ولم تتأفف أمنا عائشة من ذلك، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به. [فتح الباري لابن حجر (2/ 153 ط السلفية)].
- هناك من قال أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، لقول ربنا ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76] . وهذا فيه نظر، لأن الكيد في الباطل يكون من الشيطان أيضا، وإنما كيد النساء أعظم من كيد الرجال فيما ذكرنا، وكيد الشيطان ضعيف مقابلة مع ربنا. فالمراد إن كيد الشيطان ضعيف بالنسبة إلى ما يريد الله تعالى إمضاءه وتنفيذه، وكيد النساء عظيم بالنسبة إلى كيد الرجال فإنهم يغلبنهم ويسلبن عقولهم إذا عرضن أنفسهن عليهم». [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (4/ 81)]. وهذا ظاهر معلوم.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.