قول ربنا : (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة يتلون آيات الله أناء الليل و هم يسجدون). لا يدل على قبول دينهم

السؤال :

السلام عليكم و رحمة الله. شيخنا الفاضل كيف الحال.. أريد أن أسأل عن تفسير قول الله سبحانه : (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة يتلون آيات الله أناء الليل و هم يسجدون). هل هذا الصنف من أهل الكتاب هو في كل زمان؟. سؤالي هذا جاء عل إثر مشاهدتي لإحدى المقاطع لبعض رجال دين اليهود الذين ينصرون القضية الفلسطينية و يقولون بأن إسرائيل دولة تغضب الله و يخالفون نصوصهم الشرعية (اليهود) و بعض الكلام المنصف للقضية الفلسطينية و أنهم متضامنون مع الفلسطنيين  إلخ....

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

قول ربنا : ﴿‌لَيْسُوا ‌سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ [آل عمران: 113]. يقصد به من دخل في الإسلام، ويدل على هذا : 

- سبب نزول الآية، فعن ابن عباس قال: «لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ‌وتبعه ‌إلا ‌شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله عز وجل في ذلك: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة». [تفسير ابن أبي حاتم (3/ 737)]. فهذا ظاهر أن الآية يقصد بها من أسلم لا من كان على حال دينه.

-  وردت أوصافهم في آيات كثيرة تدل على أن المقصود من أسلم منهم، فتمام الآية : ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 114] . وقول ربنا ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ‌يَتْلُونَهُ ‌حَقَّ ‌تِلَاوَتِهِ ‌أُولَئِكَ ‌يُؤْمِنُونَ ‌بِهِ ﴾ [البقرة: 121] . وقول ربنا : ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ‌وَمَا ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْهِمْ ‌خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 199] . فهذا الوصف لا يصوف به إلا المسلم الذي يؤمن بما أنزل إلينا. وقول ربنا : ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ‌يَفْرَحُونَ ‌بِمَا ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكَ﴾ [الرعد: 36] .  وقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ ‌كَانَ ‌وَعْدُ ‌رَبِّنَا ‌لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107-109] . وقوله : ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ‌مِمَّا ‌عَرَفُوا ‌مِنَ ‌الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 83] .

-  أما وصفهم بأهل الكتاب مع إسلامهم فهذا على اعتبار ما كان، كقول ربنا : ﴿وَآتُوا ‌الْيَتَامَى ‌أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2] . فهم ليسوا يتامى بعد البلوغ.

فصدور الحق على لسان أقوام من الكفار ممكن، بل الحق قد يصدر من الشيطان نفسه، فقد قال لأبي هريرة : «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقك ‌وهو ‌كذوب». [صحيح البخاري (3/ 101 ط السلطانية)].  وهذا لا يكفي ليجعل القائل مسلما.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.