لا فرق بين عورة الأمة والحرة

السؤال :

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا سؤال ما الفرق بين حجال المرأة الحرة والامة لأني سمعت ان عمر بن الخطاب كان ينهى الإماء بتقليد الحرائر قال لهن تتشبهن بالحرائر.

الجواب :

وعليكم السلام وحرمة الله وبركاته.
بارك الله.

لا فرق بين عورة الحرة والأمة على الصحيح، وهذا ما دلت عليه الأدلة، لقول ربنا:﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ‌يُدْنِينَ ‌عَلَيْهِنَّ ‌مِنْ ‌جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59]. فقوله ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: 59]. يدخل في جميع النساء الحرائر منهن والإمام. قال ابن حزم:«وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد، والخلقة والطبيعة واحدة، كل ذلك في الحرائر والإماء سواء، حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده». [المحلى بالآثار (2/ 248)]. وقال أبو حيان:«والظاهر أن قوله: (ونساء المؤمنين) ‌يشمل ‌الحرائر ‌والإماء، والفتنة بالإماء أكثر، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح». [البحر المحيط في التفسير (8/ 504)].

وكذلك قول ربنا :﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ‌ظَهَرَ ‌مِنْهَا﴾ [النور: 31]. فهذا كلام موجه لجميع النساء، قال ابن القطان:«قوله عز وجل: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] نهي مطلق للنساء كلهن، حرة كانت أو أمة». [إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر (ص170)]. وكذلك قال النووي:«والأصح عند المحققين أن ‌الأمة ‌كالحرة». [منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص204)].

أما قول ربنا:﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ ‌يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: 59]. فليس المقصود أن يعرفن حرائر أم إماء، فهذا تفسير يجر إلى فهوم خاطئة، كما قال ابن حزم :«ونحن ‌نبرأ ‌من ‌هذا ‌التفسير ‌الفاسد، الذي هو: إما زلة عالم ووهلة فاضل عاقل؛ أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين، وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنى بالحرة كتحريمه بالأمة؛ وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق، وإن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق، ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام». [المحلى بالآثار (2/ 249)].
أما ما يروى عن «أنس بن مالك قال: كن إماء عمر يخدمننا ‌كاشفات ‌عن ‌شعورهن تضرب ثديهن». [السنن الكبير للبيهقي (4/ 198 ت التركي)]. قال الألباني:«وإسناده جيد رجاله». [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 204)].
قلت : بل هو ضعيف، فقد تفرد به حماد بن سلمة، ومثله لا يحتمل التفرد، وخاصة لمخالفة لورايته للأصول، قال ابن حبان:«وأما من كثر خطؤه ولم يغلب على صوابه فهو مقبول الرواية فيما لم يخطئ فيه واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط. مثل شريك وهشيم وأبي بكر بن عياش وأضرابهم كانوا يخطئون فيكثرون فروى عنهم واحتج بهم في كتابه. وحماد واحد من هؤلاء». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (1/ 110)].

أما روى «أنس، أن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، قال: اكشفي رأسك، لا ‌تشبهين ‌بالحرائر». [مصنف عبد الرزاق (3/ 407 ط التأصيل الثانية)]. فالخبر هذا صحيح الإسناد، لكن ليس فيه دليل على كشف كشف الشعر، وإنما غاية ما فيه نهيه لها عن (التقنع) وهو تغطية الوجه.

ولا بد من التنبيه إلى أمر، أن بعضهم يخلط كلام الفقهاء ولا يفرق بين كلامهم في الصلاة وغيره، قال ابن القيم:«وأكد هذا الغلط أن بعض الفقهاء، سمع قولهم: إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأمة ما لا يظهر غالبا كالبطن والظهر والساق؛ فظن أن ما يظهر غالبا حكمه حكم وجه الرجل، وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان: عورة في النظر وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم». [إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 47 ط العلمية)].

فالصحيح أنه لا فرق بين الحرة والأمة في العورة، لأن الخلقة واحدة، والفتنة واحدة، بل قد توجد الأمة البارعة في الجمال دون الحرة. مع أن هذا الموضوع يجب أن يستحي منه دعاة السفور، لأنهم يريدون جعل نساء المسلمين إماء جميعا!.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.