المسلم بين السماحة والعزة

السؤال :

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.  اتصلت فتاة بداعية وقالت له أنها متضايقة لأنها لا ترد على من ضايقها ولا تأخذ حقها منه. فأجاب  : أن تظل على هذا الحال، وأنها تدخل في من قال فيهم رسول عليه الصلاة والسلام"أقرب المؤمنين مجلساً منى يوم القيامة الموطئون اكنافا الذين يألفون ويؤلفوون". ثم ذكر كلاما يفيد هذا..

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم. 

هذا الكلام ليس صحيحا، وهو يورث الذل والمهانة في النفوس، فصحيح أن المؤمن لين هين، لكن هذا ليس على إطلاقه، فهناك مواطن تحتاج إلى شدة، فربنا الذي قال:﴿‌فَقُولَا ‌لَهُ ‌قَوْلًا ‌لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44].  قال موسى :﴿‌وَإِنِّي ‌لَأَظُنُّكَ ‌يَافِرْعَوْنُ ‌مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: 102]. ولما رأى سكوت أخيه ﴿‌وَأَخَذَ ‌بِرَأْسِ ‌أَخِيهِ ‌يَجُرُّهُ ‌إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: 150]. وإبراهيم الذي وصفه الله ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ‌لَأَوَّاهٌ ‌حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114].هو نفسه قال﴿إِنِّي أَرَاكَ ‌وَقَوْمَكَ ‌فِي ‌ضَلَالٍ ‌مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 74].
و«عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتيها. ثم أقبلت علي، فأعرضت عنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: دونك ‌فانتصري. فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فمها، ما ترد علي شيئا، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه». [مسند أحمد (41/ 168 ط الرسالة)].
وعن أبي هريرة قال: « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء ‌رجل ‌يريد ‌أخذ ‌مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار ». [صحيح مسلم (1/ 87 ط التركية)].

وقال وحشي قاتل حمزة:«قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: آنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن ‌تغيب ‌وجهك ‌عني». [صحيح البخاري (5/ 101)].

و«عن أبي بن كعب: أن رجلا اعتزى بعزاء الجاهلية فأعضه، ولم يكنه، فنظر القوم إليه، فقال للقوم: إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لم أستطع إلا أن أقول هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا: " إذا سمعتم من يعتزي بعزاء الجاهلية ‌فأعضوه، ‌ولا ‌تكنوا "». [مسند أحمد (35/ 157 ط الرسالة)]. وقوله :(‌فأعضوه، ‌ولا ‌تكنوا). التصريح بذكر العورة، كما قال أبو بكر لرجل:«‌امصص ‌ببظر اللات». [صحيح البخاري (3/ 194)]. فقول أبي بكر دليل على جواز ‌التصريح ‌باسم ‌العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرح لمن ادعى دعوى الجاهلية بهن أبيه ويقال: «اعضض أير أبيك» ولا يكنى له؛ فلكل مقام مقال. [زاد المعاد (3/ 361 ت عطاءات العلم)]

فذكر نصوص السماحة، دون نصوص الشدة، هو الذي أورث لنا جيلا ذليلا.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.