فتنة الفجر الكاذب

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ممكن توضيح لهذا الكلام من فضلكم: النبي عليه الصلاة والسلام وضّح أن الخيط الأبيض يظهر بعد آذان أم مكتوم، وتقريبا أذان أم مكتوم بعد أذان بلال ب 30 دقيقة، والمغرب يعتمد أذان بلال في الصلوات.
بعض الأخوات يقلن أنه يجب تأخير وقت السحور إلى ما بعد الأذان وتأخير الصلاة بعد الأذان ب 30 دقيقة وأنه من صلى بعد الاذان مباشرة فإنه صلى قبل وقت الصلاة. فما قولكم في هذا الكلام وجزاكم الله خيرا.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

 الكلام الذي يُروَّج اليوم يبنى على كلام الشيخ تقي الدين الهلالي (ت 1987م) رحمه الله، وقد كتب في ذلك رسالة قال في مقدمتها :«قضيت شبابي وكهولتي وبعض شيخوختي في الشرق  ولما رجعت إلى المغرب بسبب الفتنة التي صارت في العراق سنة (1379)، اكتشفت بما لا مزيد عليه من البحث والتدقيق والمشاهدة المتكررة من صحاح البصر وأنا معه لأني كنت في ذلك الوقت أبصر الفجر بدون التباس، أن التوقيت المغربي لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي، وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبيناً شرعياً، فأذانه في ذلك الوقت لا يحل صلاة الصبح ولا يحرم طعاماً على الصائم، وصرت أُفتي بذلك وأعمل به إلى يومنا هذا». [بيان الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكاذب(ص3)]. 
 
وهذا الكلام يُبيَّن في مسائل:

1-كلام الشيخ لا يمكن تعميمه على سائر المدن، بل في نفس المنطقة قد يختلف طلوع الفجر، بل هذا يختلف في المكان الواحد، فمن يسكن في الطابق الأول من البرج سيطلع عنده الفجر قبل الذي يسكن في الطابق الأول. 
جاء في رد المختار:«قال في الفيض: ومن كان على مكان ‌مرتفع ‌كمنارة ‌إسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده ولأهل البلدة الفطر إن غربت عندهم قبله وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر أو السحور». [حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي (2/ 420)].
 وهذا كالحاصل في برج خليفة، فسكان برج خليفة المكون من 160 طابقاً مطالبون بتأخير الإفطار في شهر رمضان، وأن سكان الطوابق من 80 إلى 150 مطالبون بالإفطار بعد دقيقتين من موعد أذان صلاة المغرب، بينما سكان الطوابق من 150 وما فوقها يحل عليهم موعد أذان صلاتي المغرب والعشاء متأخراً بثلاث دقائق، أما سكان الطوابق الأقل من الطابق الـ80 فيفطرون وفق موعد أذان المغرب في المساجد، وهكذا الأمر بالنسبة للفجر. فإذا كان هذا في البرج الواحد، فكيف مع تباعد المدن؟ ومنها التي في منطقة منخفضة وأخرى مرتفعة. وهذا يعني لو أنك رأيت الفجر كاذبا أو صادقا في منقطتك فلا يمكنك تعميمه على باقي المناطق.

2-من يقول بأن الفجر كاذب، يختلفون في مقدار الإمساك، فمنهم من يقول 30 دقيقة ومنهم من يقول 40 دقيقة، وغيرها من الأقوال المتباينة مع تعميم هذا المقدار على جميع فصول السنة! ثم لو أخذنا ب 30 دقيقة، لماذا ليست 29 دقيقة ليست 31دقيقة؟ فما ضابط هذا التحديد؟ وهذا كقول الذي نقلتم (تقريبا أذان أم مكتوم بعد أذان بلال ب 30 دقيقة، والمغرب يعتمد أذان بلال في الصلوات). فهذا مجرد ظن، فمن أي لها أن ابن أم مكتوم كان يؤذن بعد 30 دقيقة؟ كيف حسبتها؟

3-وجود الظلام عند الصلاة لا يعني عدم طلوع الفجر، عن عائشة قالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما ‌يعرفن ‌من ‌الغلس». [صحيح البخاري (1/ 173)]. قال النووي :«قوله (ما يعرفن من الغلس) ‌هو ‌بقايا ‌ظلام ‌الليل». [شرح النووي على مسلم (5/ 144)]. فقد كان يؤذن ويصلي بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويطيل بهم الصلاة في الفجر، ثم تخرج النساء ولا تزال الظلمة! مع العلم أن أقلّ ما يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصبح مقدار ستين آية، ثم يزيد بعده إلى أن يبلغ مائة آية! وقد كتب عمر إلى أحد عماله:«صل الصبح، والنجوم ‌بادية ‌مشتبكة». [موطأ مالك - رواية يحيى (1/ 7 ت عبد الباقي)].

4-أكد بعض الخبراء على صحة الفجر وأنه يؤذن في وقته، وممن أكد على هذا الأستاذ سعيد أيت خالي علي، وهو خبير في علم التوقيت، وذلك لأن الفجر الكاذب معروف في علم الفلك وهو ما يسمى ب (Zodiacal Light).

فلا ينبغي الدخول في صراع لا جدوى ومنه،  فلو قلد الناس في أوقات الصلوات لم يضرهم، جاء في مواهب الجليل: «ويجوز أن يقلد في الوقت من هو مأمون على الأوقات كما تقلد فيه أئمة المساجد، ولم يزل المسلمون من جميع الأعصار في سائر الأمصار يهرعون إلى الصلاة عند الإقامة من غير أن يعتبر كل من ‌يصلي ‌قياس ‌الظل». [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 386)].

فحاصل الأمر: أن من يريد تقليد من يقول بأنه الفجر الكاذب فله ذلك وقد احتاط لدينه، لكن لا يليق به الإنكار على من يرى بأنه فجر صادق ويشوش عليه ويتصرف تصرفات صبيانية، كمن لا يحلو له الأكل والشرب إلا بعد الأذان وفي المسجد!.

المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.