الاختلاط بالرجال بنية عمل الخير!.
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله، حياك الله فضيلة الدكتور، كيف نرد على من تختلط بالرجال في الجمعيات الخيرة، وتستدل بحديث :"إنما الأعمال بالنيات" وتقول أنها نيتها الخير، وأنه يجب النظر لهذا لا إلى اختلاطها بالرجال. وشكر الله لكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
هذا الحديث يستدل به كل من وقع في معصية، بل يحاول البعض إباحة ما حرم الله بعلة "إنما الأعمال بالنيات". كمن تعمل في جمعية خيرية مختلطة، وإذا نبهتها احتجت أن نيتها طيبة، أو من ينشد بالموسيقى بنية أن يصرف الناس عن الغناء!. أو كالذي يغتاب إنسانا مراعاة لقلب غيره بنية تطييب خاطره، أو يطعم فقيرا من مال غيره بنية الصدقة، أو يبني مدرسة أو مسجدا أو رباطا بمال حرام بينة الصدقة الجارية.. فهذا كله جهل، والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية، بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع، شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله؛ إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم.راجع [إحياء علوم الدين الغزالي(368/4)].
وحقيقة هذا يدخل في قول ربنا:﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: 104].
فالحديث إنما هو فصل في بيان الأعمال الشرعية التكليفية وبين غيرها، ولا علاقة له بحكم الأعمال، فحكمها يؤخذ من الاألة الشرعية الأخرى.
وخذ أربعة وقعوا على أمهاتهم، فأحدهم مجنون، والثاني ظنها زوجته، والثالث يعلم أنها أمه ولكن غلبته الشهوة، والرابع يعلم أنها أمه وقصد برها ورضاها تقربا إلى الله تعالى في زعمه :
فالأول ليس له قصد معتد به شرعا، فلم يوجد منه عمل شرعي تكليفي أصلا.
والثاني إنما نوى الوقوع على زوجته، فالعمل الشرعي التكليفي الذي وجد منه هو الوقوع على زوجته.
والثالث نوى الوقوع على أمه شهوة فالعمل الشرعي الذي وجد منه هو الزنا بأمه.
والرابع نوى الوقوع على أمه تقربا إلى الله تعالى في زعمه، فالعمل الذي وجد منه هو الزنا بأمه تقربا إلى الله تعالى في زعمه.
ولو كان المعنى ما توهمه القوم لكان عمل الرابع يكون قربة يرجى لصاحبه الثواب. وذلك قريب مما توهمه المشركون فيما حكى الله تعالى عنهم من قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.
والحاصل أن من نوى التقرب إلى الله تعالى بعمل لا بد من النظر في الأدلة الشرعية، فإذا دلت على أن ذلك العمل بذلك القصد قربة فهو قربة، وإذا دلت على أنه ليس بقربة ففعله له بنية التقرب وبال عليه؛ لما فيه من الكذب على الله تعالى والتكذيب بآياته وغير ذلك.راجع:[رفع الاشتباه.المعلمي (326/2)].
وعن أمنا عائشة قالت:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه.». [صحيح البخاري (7/ 167)]. ولا شك أن بيت النبوة كان بعيدا عن أن يعبد صليبا.
ثم ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم :نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب». [صحيح البخاري (1/ 120)]. وقال:«وحينئذ يسجد لها الكفار». [صحيح مسلم (2/ 209)]. والمصلي لا ينوي ذلك، إذ لو قصده كفر، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام. انظر [تشبيه الخسيس بأهل الخميس (ص16)].
وهذا سبب الشر في يومنا، فكثيرا ما يعلم الإنسان من نفسه الصدق والتجرد ويظنه كافيا في إصابة الحق ويتكئ على ذلك، فينشغل بتتبع مطامع نفسه وهواها ويغلق المؤثرات حتى لا تؤثر في حكمه، فيحجبه هذا الانشغال عن تمحيص الحقائق التي يقررها والتحري فيها وعن ملاحظة سلامتها من الدخل، ويظن أنه معذور، وأن مخاصمته ومحاججته تعنت وتشدد وبغي عليه لانه مخلص متجرد. راجع: [العقلية الليبيرالية .ص 49-50)].
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.