حديث سفعاء الخدين في كشف الوجه
السؤال :
السلام عليكم شيخنا احسن الله اليكم .شيخنا القائلين بعدم وجوب تغطية الوجه يستدلون بحديث جابر الذي وصف امرأة بأنها كانت سفاء الخدين، فيقولون أن الحديث واضح الدلالة على ما من أجله أوردناه، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها: سفعاء الخدين.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
بيان هذا في مسائل :
1. الحديث عن جابر بن عبد الله . قال: « شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد. فبدأ بالصلاة قبل الخطبة. بغير أذان ولا إقامة. ثم قام متوكئا على بلال. فأمر بتقوى الله. وحث على طاعته. ووعظ الناس. وذكرهم. ثم مضى. حتى أتى النساء. فوعظهن وذكرهن. فقال: تصدقن. فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين. فقالت: لم؟ يا رسول الله! قال: لأنكن تكثرن الشكاة. وتكفرن العشير، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن. يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن ». [صحيح مسلم (3/ 19 ط التركية)].
2. السفعة : شحوب بسواد. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 531)]. واختلف العلماء في سبب السفعة : قيل أن ذلك بسبب ما تعانيه من مشقة في تربية الأبناء، لذا شغلتهم عن نفسها ولم تعتني به حتى ظهر عليها الكمد. وقيل أن ذلك بسبب تقدمها في السنة، فهي كانت عجوزا، فهي من القواعد من النساء. وحقيقة لا دليل يبين سبب تغير لون خدها ولم يرد نص فلا يمكن الجزم بأي قول من القولين.
3.الحديث ليس دليلا على ما قالوا به :
- أولا : صلاة العيد فرضت في السنة الثانية من الهجرة، والحجاب فرض في السنة الخامسة، أي بعد فرض صلاة العيد، فمن قال أن الحديث فيه جواز كشف الوجه فعليه أن يثبت أن الواقعة كانت بعد فرض الحجاب.
- ثانيا : المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب النساء لوحدهن، فكيف يصف جابر وجهها؟!.
عن عبد الرحمن بن عابس، «سمعت ابن عباس رضي الله عنهما سأله رجل: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد أضحى أو فطرا؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني: من صغره، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم خطب ولم يذكر أذانا ولا إقامة، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال، ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته.». [صحيح البخاري (7/ 40 ط السلطانية)].
قال ابن حجر: «قوله: (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم». [فتح الباري بشرح البخاري - ط السلفية (2/ 466)].
وتأملي قول ابن عباس:"ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني من صغره". فالنساء كن في معزل عن الرجال ولا يسمح إلا للصغار من الأطفال، فأنى لجابر رضي الله عنه أن يصفها؟!. قال ابن حجر: «لأن الصغر يقتضي أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر».[فتح الباري بشرح البخاري - ط السلفية (2/ 466)].
لذا لفظ (سفعاء) شاذ، تفرد به عبد الملك، عن عطاء، عن جابر؛ أخرجه مسلم، وقد رواه ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، ولم يذكر وصفها«961». [صحيح البخاري (2/ 18)]. وقد جاءت القصة من حديث جماعة من الصحابة؛ رواها ابن عمر«79». [صحيح مسلم (1/ 61)]. وابن عباس «98». [صحيح البخاري (1/ 31)]. وأبو هريرة «80». [صحيح مسلم (1/ 61)]. أبو سعيد «304». [صحيح البخاري (1/ 68)]. وجماعة رضي الله عنهم، ولم يذكروا ما ذرك جابر.
ويؤيد هذا قول ابن عباس: «فقالت امرأة واحدة، لم يجبه غيرها منهن: نعم. يا نبي الله! لا يدرى حينئذ من هي». [صحيح مسلم (3/ 18 ط التركية)]. قال النووي: «معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي». [شرح النووي على مسلم (6/ 172)].
فدل هذا على أن جابرا سمع الحديث من غيره، ممن يجوز له حضور مجالس النساء.
- ثالثا : بدو وجهها لا يعني أن ذلك أنها تعمدت، قال ابن القطان الفاسي : «وتندفع دلالته بأن يقال: لا يمتنع أن يقع في الوجود إبداء امرأة وجهها: إما بسقوط ساترها، وإما عاصية بذلك، فيفاجئها جابر أو غيره بنظرة يدرك بها منها ما عرفنا وصفها به، وتسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وتخاطبه، ويخاطبها». [إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر (ص191)].
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.