قول القائل (لا أبا لك) هل هو قذف؟
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله شيخ قاسم.
كتبت قبل أيام بيتا أدافع فيه عن أخي " اقلوا عليهم لا أبا لأبيكم * أو سدوا المكان الذي سدوا ". وهو بيت للصحابي جرول بن أوس الملقب بالحُطَيْئة فاتهمني بعض الأخوة هداهم الله أني طعنت المسلمين في أعراضهم وأني وصفتهم بأنهم أبناء زنا وما دمت أني استشهدت بشعر الحطيئة فأنا جاهلي.
كتبت قبل أيام بيتا أدافع فيه عن أخي " اقلوا عليهم لا أبا لأبيكم * أو سدوا المكان الذي سدوا ". وهو بيت للصحابي جرول بن أوس الملقب بالحُطَيْئة فاتهمني بعض الأخوة هداهم الله أني طعنت المسلمين في أعراضهم وأني وصفتهم بأنهم أبناء زنا وما دمت أني استشهدت بشعر الحطيئة فأنا جاهلي.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
يجاب عن هذا في مسائل :
1. القول أن الحطيئة صحابي لا يصح، وإن ذكره بعض العلماء فيهم، لأنه لم يصح لقاء له بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر:«وهو مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد». [الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 150)]. ولم يذكر أنه التقى به، وذكر ابن كثير أنه أسلم في زمن الصديق. [البداية والنهاية (11/ 349)].
2. قول القائل (لا أبا لك) أو لا (لا أبا لأبيك) يقال ولا يراد به حقيقته في الأصل، كما قال ابن مسعود لرجل:«أهذ الشعر لا أبا لك». [مسند أحمد (7/ 25 ط الرسالة)]. وكذا قول عمر :«قال عمر: أكسرا لا أبا لك». [صحيح مسلم (1/ 89)].
وهذه كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء ومعناها : أن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر ووقع في شدة، عاونه أبوه ورفع عنه بعض الكل فلا يحتاج من الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد وعدم الأب المعاون، فإذا قيل : لا أبا لك، فمعناه : جد في هذا الأمر وشمر وتأهب تأهب من ليس له معاون. [شرح النووي على مسلم (2/ 174)].
والعرب تقول الكلام ولا تريد حقيقته، كما ورد في الحديث:«تربت يمينك». [صحيح البخاري (1/ 38)]. فأصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي.[شرح النووي على مسلم (3/ 221)].
3. ألفاظ القذف على نوعين، منها الصريح، كقوله (يا زاني)، (يا لوطي) ونحوه مما لا يقل التأويل، فهذا قذف.
والنوع الآخر لفظ كناية، فهذا يرجع في لمراد القائل وسياق كلامه وعرف الناس، كقوله القائل (يا فاسقة)، (يا فاجرة). قال القرافي:«وضابط هذا الباب الاشتهارات العرفية والقرائن الحالية، فمتى فُقدا حلف أنه لم يرد القذف، ولا يحد، ومتى وجد أحدهما حُدَّ، وإن انتقل العرف وبطل: بطل الحد، كما لو قال له: يا ندل, فإنه في الأصل زوج الزانية، والآن اشتهر في عدم الكرم, أو عدم الشجاعة فلا حد به». [الذخيرة للقرافي (12/ 96)].
ولفظ (لا أباك لك) ليس من الصريح، فهو كلام جرى مجرى المثل وذلك أنك إذا قلت هذا فإنك لا تنفي في الحقيقة أباه وإنما تخرجه مخرج الدعاء أي أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه. [الخصائص (1/ 344)].
لذا فرق المالكية بين قوله حال المشاتمة وغيره، قال ابن يونس: «ومن قال لولد الملاعنة: لا أبا لك حد إن كان على وجه المشاتمة». [التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 405)]. وقال ابن الحاجب:«وقول: لا أبا لك مغتفر إلا في المشاتمة فيحلف». [جامع الأمهات (ص517)].
فمن قال هذا في حال ليست في المشاتمة فلا عبرة به، أما لو قاله حال المشاتمة فإنه يحلف، فمن كتاب ابن المواز والعتبية قال أشهب عن مالك :«فيمن قال لرجل لا أب لك فلا شىء عليه إلا أن يريد النفي. وهذا مما تقولة الناس على الرضى، فأما من قالة فى مشامتة وغضب فذلك شديد. قال في كتاب ابن المواز: وليحلف ما أراد نفيه». [النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (14/ 322)].
والحقيقة أن قول القائل (لا أبا لك) لا يراد به النفي لا صراحة ولا عرفا، إلا إذا كان السياق يراد منه النفي.. فإن لم يظهر ذلك في السياق واتهم به حلف، ولا شيء عليه.
وقد جرى البيت على لسان كثير من العلماء المعاصرين، كالمختار السوسي[سوس العالمة (ص8)]. وقد قال الشيخ العثيمين وهو يتحدث عن الحدادية :«هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع؛ لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع؛ مثل ابن حجر العسقلاني والنووي رحمهما الله فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تاماً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ فتح الباري؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح .. فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال وبلسان المقال :
أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا». [لقاء الباب المفتوح (43/ 15)]. وكلامه كان في معرض الذم لا المشاتمة.
ووفق ما ذكرتم لنا، ووفق العرف وسياق الكلام الذي لم يكن في سياق المشاتمة.. فلا يظهر أنك تريد نفي نسب أحد.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.