حكم من مات في الهجرة السرية.

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله خيرا،  ما حكم من ركب البحر ومات في ما يسمى (بالهجرة السرية).

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

1. ظلم الرعية واحتقارها وإذلالها وإلجاؤها إلى الهجرة أمر منكر، فقد قال النبي ﷺ:«اللهم من ولي من أمر أمتي ‌شيئا ‌فشق ‌عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به». [صحيح مسلم (6/ 7)]. وعن أبي أمامة، عن النبي ﷺ أنه قال :«ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إلى ‌عنقه، ‌فكه ‌بره، ‌أو ‌أوبقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة». [مسند أحمد (36/ 635 ط الرسالة)].

2. الإقامة في بلد الكفر لغير سبب شرعي أمر محرم، فقد قال ﷺ:«أنا بريء من كل مسلم يقيم ‌بين ‌أظهر ‌المشركين». [سنن أبي داود (2/ 348 ط مع عون المعبود)]. وعن جرير قال :«أتيت النبي ﷺ وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط علي، فأنت أعلم، قال: أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشرك». [سنن النسائي (7/ 282)].

وإنما الهجرة تجوز في حالات ووفق شروط:
أن تكون لطلب علم لا يوجد في بلاد المسلمين، كبعض أنواع العلوم.
أن يكون للدعوة، ونشر الإسلام. 
أن يكون لتجارة، كجلب مواد تنفع المسلمين.
أن يكون لضرورة، كخوف هلكة لو بقي في وطنه.
أن يكون هربا من ظلم حاكم متسلط أراده على دينه أو عرضه أو نفسه، فأراد الهجرة إلى بلد كفر يحفظ دنياه ويقيم دينه عند تعذر بلد مسلم، فيجوز له ذلك كما عزم الزهري على الهجرة إلى أرض الروم هربا من الوليد بن يزيد، بشرط أن يكون متربصا للعودة إلى بلد الإسلام في بلده أو غيرها، من غير نية دوام الإقامة في بلد كفر. [التفسير والبيان لأحكام القرآن (2/ 983)]

ويشترط في هذا:
أن يستطيع إقامة دينه في بلد الكفر. 
أن يكون له عقيدة يدفع بها ما قد يعتريه من شبهات.
أن يأمن على نفسه الفتنة.
أن يرجع متى انتهت المصلحة وزال المانع.

3. من توفرت فيه أسباب وشروط الهجرة فلا بد له من اختيار الطريق الآمنة، ولا يجوز للمسلم أن يرمي بنفسه في وسائل تعرضه للهلاك، فقد قال ربنا:﴿وَلَا تُلْقُوا ‌بِأَيْدِيكُمْ ‌إِلَى ‌التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. 
وبهذا يتبين أمر الغريق المهاجر، فكلما كانت نسبة الضرر ظاهرة وكبيرة كان قريبا من الانتحار، مع النظر إلى أسباب الهجرة التي ذكرناها، فعن أبي سعيد مولى المهري قال :«أقبلت مع صاحب لي من العمرة، فوافينا هلال رمضان، فنزل في أرض أبي هريرة في يوم شديد الحر، فأصبحنا مفطرين إلا رجلا مناد واحدا، فدخل صاحبنا يتلمس برد النخل، فقال: ما بال صاحبكم؟. قالوا: صائم، قال: ما حمله على ألا يفطر، قد رخص الله له، لو مات ‌ما ‌صليت ‌عليه». [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (6/ 88)]. وإنما كان ينوي الامتناع عن الصلاة عليه لأنه عرض نفسه لضرر ظاهر فكان في حكم المنتحر. قال ابن تيمية:«ركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه، ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد».[مجموع الفتاوى (24/ 293)]. 

ونسأل الله أن يرزقنا من فضله، وأن يرفع القهر عن كل من يريد العيش الهنيء.

المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.