إنكار د. بشار أحاديث المهدي

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا محدث قاسم رابني وأدهشني كلام المحقق بشار عواد معروف بعدم ثبوت أحاديث المهدي المنتظر، أفيدوني مأجورين.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

ليس في كلامه ما يدهش حقيقة، ويمكن الجواب عما ذكره في نقاط : 

1. أحاديث المهدي صحيحة بلغت التواتر كما هو معلوم عند أهل السنة، وقد حكى غير واحد تواترها، كالسخاوي، والسيوطي، والهيثمي، والزُرقاني، والقِنوجي، والشوكاني، وأبو الحسن الآبري، والسفاريني، وصديق حسن خان..

 2. أشهر من نسب إليه إنكار المهدي هو ابن خلدون، والظاهر أنه لم ينكر ذلك، فهو القائل :«وهي كما رأيت لم ‌يخلص ‌منها ‌من ‌النقد ‌إلا ‌القليل والأقل منه». [تاريخ ابن خلدون (1/ 401)]. فهو يرى أن أغلب الأحاديث ضعيفة لا كلها. وقد رد عليه أحمد بن الصديق الغماري في كتاب [إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون (ط الترقي)].
 
3. الدكتور بشار عواد صاحب تحقيقات نافعة، لكنه رجل مخطوطات لا رجل حديث، وقد رأيت له مقطعا يدافع فيه عن تخصصه الحديثي ولم يذكر له بحثا واحدا في الحديث، وإنما المرء ينسب لعلم قد صنف فيه وتكلم لا بما يزعم، ومن العجيب قول أحمد بن الصديق الغماري في رده على ابن خلدون :«ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضُرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان .. فلا يقبل تصحيح ولا تضعيف إلا من الحفاظ الحديث ونقاده».[إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ط الترقي(ص 443)]. ولا شك أن ابن خلدون أوفر علما من بشار، ورغم ذلك دخل في علم لا يحسنه.

4. استمعت لكلام بشار وكانت حجته عدم إخراج البخاري ومسلم لأحاديث المهدي، وهذا في الحقيقة ليس كلامه، بل مأخوذ من كلام رشيد رضا [تفسير المنار (9/ 416)] وأحمد أمين [ضحى الإسلام (ص 297)]. والمستشرق دونلدسن [المهدية في الإسلام ص 70]. وهذا كلام يعرف بطلانه الصغير والكبير، لأن البخاري ومسلم لم يستوعبا، فالبخاري هو نفسه القائل :«لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر». [تغليق التعليق (5/ 426)]. ومسلم يقول :«ليس كل شيء ‌عندي، ‌صحيح ‌وضعته ‌ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه». [صحيح مسلم (1/ 304 ت عبد الباقي)]. بل حتى الأحاديث التي على شرطهما لم يستوعباها، قال الحاكم :«وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج بمثلها». [المستدرك على الصحيحين (1/ 164)].  ولعل الدكتور بشار أخذ هذا من كلام ابن عبد البر في حديثه عن اجتماع العيد والجمعة :«ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا، وحسبك بذلك ضعفا لها». [التمهيد - ابن عبد البر (7/ 119 ت بشار)]. وهي مبالغة من ابن عبد البر كما وصف ابن حجر[النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/ 319)]. فالبخاري نفسه صحح أحاديث خارج صحيحه، نقلها عن الترمذي وغيره. وابن عبد البر كذلك صحح أحاديث لم يخرجها الشيخان.

5. لم يذكر البخاري ومسلم أحاديث المهدي صراحة، لكنه ذكر أحاديث نحوها، فقد خرج البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«يكون اثنا عشر أميرا. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: ‌كلهم ‌من ‌قريش». [صحيح البخاري (9/ 81)]. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ‌وإمامكم ‌منكم». [صحيح البخاري (4/ 168)]. وفي حديث جابر :«فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ‌فيقول ‌أميرهم: ‌تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة». [صحيح مسلم (1/ 95)]. 
وعند مسلم  عن أبي سعيد، وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يكون في آخر ‌الزمان ‌خليفة يقسم المال ولا يعده». [صحيح مسلم (8/ 185)].  فمن هو هذا الخليفة؟ وما المانع أن يكون هو المهدي؟. وهناك رواية أخرى فيها زيادة مهمة، تبين أن أحاديث المهدي لم تتأثر بالأمور السياسية وغيرها، فبعد رواية حديث مسلم الأخير، قيل «لأبي نضرة، وأبي العلاء : أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا». [صحيح مسلم (8/ 185)]. 

الأحاديث ثابتة كما هو معلوم عند جميع الأمة، وإنما حمله على ذلك -هو وغيره- ما يسمعونه من تخاريف عن المهدي جعلتهم ينفرون من أخباره، وما هو إلا رجل يصلح الله على يديه.

المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.