التعارض بين حديث: « لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة». وبين قول الله :﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ‌بِمَا ‌كُنْتُمْ ‌تَعْمَلُونَ﴾.

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله دكتور، رأيت من يزعم أن حديث :« لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة».  يتعارض مع القرآن ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ‌بِمَا ‌كُنْتُمْ ‌تَعْمَلُونَ﴾.  فإذا كنا سندخل الجنة بأعمالنا، فلم الحديث ينفي ذلك؟. وبارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء. 

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

قول الله جل شأنه ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ‌بِمَا ‌كُنْتُمْ ‌تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32]، لا يعارضه قوله ﷺ :«لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة، ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة من الله». [صحيح مسلم (8/ 141)]. وهذا لأمور :     
 1. الباء تفيد ثلاثة عشر معنى، جمعت في قولهم : 
«‌بالباء ‌ألصق، واستعن، أو عد، أو … أقسم، وبعض، أو فزد، أو علل
وأتت بمعنى مع، وفي، وعلى، وعن … وبها فعوض، إن تشا، أو أبدل». [الجنى الداني في حروف المعاني (ص56)]. والباء في الآية للسببية، أي بسبب ما كنتم تعملون، فهي مجرد أسباب لا غير.
2. لولا رحمة الله السابقة التي كتب بها الإيمان في القلوب ووفق للطاعات ما نجا أحد ولا وقع عمل تحصل به النجاة، فالتوفيق للعمل من رحمته أيضا. [كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 110)].
3. نفس دخول الجنة بالرحمة، واقتسام الدرجات بالأعمال، قال سفيان وغيره : كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال. [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/ 176)]
4. أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، وثوابها لا يبيد أبدا، فالمقام الذي لا ينفد في جزاء ما نفد بفضل الله لا بمقابلة الأعمال. [كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 110)]. 
5. العمل ‌من ‌حيث ‌هو ‌عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا، وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله  تعالى وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}؛ أي تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية. [فتح الباري لابن حجر (11/ 296 ط السلفية)].

لكن كل هذه التوجيهات يكفيها أمر واحد، وهو أن من عرف الله سبحانه، وشهد مشهد حقه عليه، ومشهد تقصيره وذنوبه، وأبصر هذين المشهدين بقلبه عرف أن أعماله كلها تقصير، وأن قبول الرب لأعماله هو رحمة فعلا وحقا، وهذا كله لا يحتاج إلى دليل، فالمؤمن يعمل ويدرك تقصيره فيخاف، والجاهل يعمل مع غروره فيأمن فيهلك. [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/ 178)].

المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.