شهوة النقاب
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا الكريم. ما رأيكم في أمر كأنه ظاهرة اليوم، وهو كثرة المنتقبات مما نراهن في الثانويات والجامعات، فهل هذا أمر طيب أم هو عكس ذلك.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
من دقيق مصايد النفس طبعها، ومن لم يهذب طبعه صار عبدا له، لذا تجد مِن الناس من يحافظ على النوافل وهو مفرط في الفرائض، وتجد الأهوج يحفظ نصوص الشدة لأن طبعه شديد، والجبان يسرد نصوص السماحة ولا يلتفت لنصوص الحزم حتى لو مرت أمامه، وأذكر مرة أني ذكرت لرجل أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأم (هنا)، فأقسم على تقديم نفقة أمه على نفقة زوجته، وإنما قال هذا شهوة لا دينا؛ فلما راجعته استغفر ربه.
وكذلك كان النقاب، فمن تنتقب وتختلط فهي انتقبت لشهوة نفسها التي تاقت للنقاب، فتجد الفتاة تحارب أهلها من أجل نقابها فإن انتقبت اختلطت مختارة! وربما تجدها متمسكة بنقابها وتبكي على دراستها التي مُنعت منها مع أن الذي أوجب النقاب هو من حرم الاختلاط، لكن نفسها تريد النقاب ولا يؤذيها وجود رجل! ومنهن من تحتج بأن الاختلاط فرض عليهن، مع أن خلع النقاب أيضا مفروض!
ونوع آخر تختلط وتظل نفسها معلقة بالزينة، فتكشف يديها وتجعل من اللباس زينة في نفسه، فيكون أكثر فتنة مما لو كشفت قرطها وحليها، وإنما جعل اللباس لإخفاء الزينة الباطنة فكيف يكون هو زينة في نفسه؟! ومن اعتادت الرجال لم يغلبها الحياء في مجالسة ذكر، لأنها غطت وجهها ونسيت حياءها.
وكثير من يعمل عملا ويهم أنه لله، كمن ينفق على رجل فلما استاء منه توقف، لذلك قرن الله بين الصدقة وبين كظم الغيض ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134]. فإن تركت نفقة من أساء إليك فاعلم أنك كنت تنفق لراحة نفسك لا لله.
وكان أبو بكر ينفق على مسطح، فلما خاض في عرض عائشة قال :«والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، بعد الذي قال لعائشة». [صحيح البخاري (6/ 105)].. فنزل قول ربنا :﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ﴾ [النور: 22]. قال أبو بكر :«والله لا أنزعها منه أبدا». [صحيح البخاري (6/ 105)]. ومثله من يبر أمه فإن أساءت إليه عقها، لأنه فعل هذا لتشكره لا لطاعة لله. وكان بعض السلف يترك سنة وهو قادر على فعلها، ليس كرها لها، ولكن رأى أن شهوته تزاحم إخلاصه. ونحن لا نقول للمختلطة أن تترك النقاب، بل نقول لها أن تترك الاختلاط، وتقوم نفسها على التدين الصحيح، فلا يترك حق من أجل باطل، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :«إن فلانا يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق. قال: إنه سينهاه ما تقول». [مسند أحمد (15/ 483 ط الرسالة)].
وكما يحث الدعاة على الستر والنقاب، وجب حثهم كذلك على ترك الاختلاط والأخذ بالأدب. وإنكار هذا واجب، لأننا في زمان اضطربت أموره، ففي الحديث :« العبادة في الهرج كهجرة إلي». [صحيح مسلم (8/ 208)]... ففي الأزمنة الفاسدة التمسك بالحق أوجب.
النقاب لا يمنع المحاسبة واللوم والعتاب حتى في زمن متبرج، فلا ينشأ جيل يحتج :﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [المائدة: 104]. وكثير من المشتغلين لا ينكرون تميع المنتقبات بحجة كثرة المتبرجات، وهذا طريق ضياع الأجيال الناشئة، فهؤلاء مشركات أسلمن وجئن يبايعن النبي ﷺ فقلن له :«ألا تصافحنا؟. قال: إني لا أصافح النساء». [مسند أحمد (44/ 559 ط الرسالة)]. فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم :(مشركات، أصافحهن عسى أن يؤمن) وإنما امتنع حتى لا يضيع أصل الحق وإن تركه الجميع ليُعلم بينهم، فلا يقال :﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: 24].
ومن تلبس النقاب على هذا الحال تكون نهايتها بين أمرين:
النهاية الأولى: إما أنها تزيله، لأن ميل النفس تغير، فبعدما كانت تحب النقاب وتحفظ أدلته، صارت اليوم تستثقله، في المسألة خلاف!.
النهاية الثانية: تنتكس، لأنها لم تكن تفعل ذلك إخلاصا.
الطريق المستقيم مُمل، أما المعوج فممتع، لكن من استقام وصل أولا. وبمقدار إخلاصك لله يظهر ثباتك.
المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.