الإنكار على الحكام ليس خروجا

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل يجوز لنا أن ننكر هذه المنكرات التي نراها، أما لا يجوز هذا كما يقول بعضهم، لأنه تحريض على الحاكم.



الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

لا يفرق القوم بين نصح الحاكم والخروج عليه، ويصفون الناصح بالخارجي، وبهذا وقعوا في الإرجاء، قال ابن مفلح الحنبلي (توفي سنة 763هـ). :«فأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتالهم والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلما، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنا أن ذلك من باب ترك الفتنة ‌وهؤلاء ‌يقابلونك ‌لأولئك». [الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 157)].

والفرق بين أهل السنة والمرجئة : أن أهل السنة يرون الإنكار على من جار من الأئمة على حق الله وحق المسلمين ولا يتخذون الإصلاح بابا للخروج، وأما المرجئة يتخذون خوف الفتنة بابا لإغلاق الإنكار على الأئمة.
فطائفة تأخذ نصوص التحذير من الدخول على السلطان وإمام الجور المسلم وما جاء في ذمه فتقع في المحظور من جهة استحلال ما حرم الله من عرضه وهتك ستره، والنفرة من نصوص السمع والطاعة ولزوم الجماعة والاقتصار على نصوص التحذير والمنابذة.
وطائفة تأخذ نصوص السمع والطاعة والصبر على إمام الجور المسلم ومنه الخروج عليه، فتقع في المحظور من جهة تعظيمه وإطرائه فيغتره ويفسده ويطغيه، فيقتصرون على نصوص السمع والطاعة ويذرون نصوص النصح.[ المغربية (ص 262)].
عن أبي سعيد الخدري قال: «..فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان، وهو أمير المدينة، في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، ‌فجبذت ‌بثوبه، ‌فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة». [صحيح البخاري (2/ 18)].  قال ابن بطال المالكي المتوفى سنة (449هـ). :«وفيه: ‌إنكار ‌العلماء ‌على ‌الأمراء ‌ما ‌يخالف ‌السنة». [شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 149)]. وقال النووي :«وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‌وإن ‌كان ‌المنكر ‌عليه ‌واليا». [شرح النووي على مسلم (6/ 178)].
وعن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده قال :«أخذ النبي ﷺ ناسا من قومي في تهمة فحبسهم، فجاء رجل من قومي إلى النبي ﷺ، وهو يخطب فقال: يا محمد، ‌علام ‌تحبس ‌جيرتي؟». [مسند أحمد (33/ 223 ط الرسالة)]. وعن القاسم، عن أبيه :«أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت؟. أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما فعلت، أم ابتدعت؟. قال: لم يأتني أمر من أمير المؤمنين، ولم أبتدع، ولكن أبى الله عز وجل علينا ‌ورسوله ‌أن ‌ننتظرك ‌بصلاتنا وأنت في حاجتك». [مسند أحمد (7/ 325 ط الرسالة)].
وعن عياض بن عبد الله بن أبي سرح :«أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليجلسوه، فأبى حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رحمك الله، إن ‌كادوا ‌ليقعوا ‌بك! فقال: ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله ﷺ». [سنن الترمذي (1/ 517)]. 
قال النووي :«وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله اذا أمكن ذلك فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار ‌فليفعله ‌علانية ‌لئلا ‌يضيع ‌أصل ‌الحق». [شرح النووي على مسلم (18/ 118)].
وقد رأيت العثيمين يقول مثل هذا :«يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علنا يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علنا، وإذا رأينا أن الإنكار علنا لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل ‌يزداد ‌ضغط ‌الولاة ‌على ‌المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سرا، وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علنا فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سرا فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير. وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانبا، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك». [لقاء الباب المفتوح (62/ 10)].

فالإنكار عليهم يكون على نوعين :
الأول : ما يخصهم من تقصير كفعل محرم أو ترك واجب، فيناصحون سرا ولا تتبع زلاتهم، فالحكتم له عرض كعرض أي مسلم بل أشد.
النوع الثاني : جوره وظلمه المتعدي إلى غيره، كظلم أحد عموم الناس، أو تشريع ما لم يأدن به الله، فهذا يناصح وينكر عليه، وقد قيل لحمديس: «فلو أن إماما دعا إلى البدعة وأمر بها وبات بالدار؟ » قال:. [رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية (1/ 489)]. أي لا ندعه، بل نناصحه وننكر عليه بحسب مقدار البدعة.[راجع.المغربية(ص 263)].

المجيب : د. قاسم اكحيلات.