تخريج عدم توريث بيت الزوجية على العُمرى
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بالنسبة لقضية إخراج سكن الزوجية من الميراث، فقد خرج من يقول أن ذلك من العمرى، فما هي العمرى بارك الله فيكم، وما علاقتها بسكن الزوجية؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
تخريج مسألة عدم توريث سكن الزوجية على العمرى يبين في نقاط :
1. لا بد من النظر لسياق الاجتهاد، هل هو فعلا بغرض حفظ الحقوق، أم لتطويع النصوص لتوافق الضغط العلماني؟. إذا لا عبرة بما يُبحث إذا لم يكن الباحث سليم المقصد، لذا قال العلماء أن كل شيء يقتنى ليضل به عن سبيل الله فهو إثم وحرام، ولو أنه شراء مصحف أو تعليم قرآن. [رسائل ابن حزم (1/ 435)].
2. العمرى هي: جعل شخص داره لشخص مدة عمر ذلك الشخص [الموسوعة الفقهية الكويتية (42/ 254)]. وصورتها أن يقول الرجل: أعمرتك دارى هذه، أو هي لك مدة عُمري، أو ما عشتَ، أو مدة حياتك، أو ما حييتَ، أو نحو هذا. وسميت عمرى لتقييدها بالعمر. [المغني لابن قدامة (8/ 282)].
وهي على ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يقول: هي لك ولعقبك-أي ذريتك- فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه.
الصورة الثانية : أن يقول: هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة.
الصورة الثالثة : أن يقول: أعمرتكها ويطلق ولا قيدها بعمره. [فتح الباري لابن حجر (5/ 239 ط السلفية)].
فإذا قلت لشخص سأعطيك هذا البيت تسكنه ما دمت حيا، ثم مت أنت هل لورثتك أم للذي وبهته؟. ولو مات هو، هل يرجع لك أم لورثته؟. خلاف : والذي عليه جمهور العلماء أنها تمليك فلا ترجع، ودليلهم ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال :«أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث». [صحيح مسلم (5/ 67)].
وخالف في ذلك الإمام مالك وقال بل هي لصحابها أو لورثته، ودليل مالك رحمه الله أنه مخالف لعمل أهل المدينة، قال القاسم :«ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا». [الأم للإمام الشافعي (4/ 68 ط الفكر)]. وقال مالك :«ليس عليه العمل، ولوددت أنه محي-يقصد حديث جابر-». [التمهيد - ابن عبد البر (5/ 123 ت بشار)].
ثم لأن هذا اشترط شرطا وهو مدة حياته، والنبي ﷺ قال :«والمسلمون على شروطهم». [سنن الترمذي (3/ 27)].
أما حديث جابر فردوا عليه بما قاله محمد بن يحيى، بأن منتهى الحديث عن رسول الله ﷺ "هي لك ولعقبك" وما بعده عندنا من كلام الزهري فأدرجه معمر ولم يتابعه عليه مالك ولا ابن أبي ذئب ولا ابن أخي الزهري، ولا الليث. [الأوسط لابن المنذر (12/ 64)]. فتكون الزيادة مدرجة.
ثم على فرض صحته فإنما جاء ذلك من حيث ذكر العقب، فيكون فيه حجة للمالكية. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 595)].
3. لم يقل أحد من العلماء أن العمرى واجبة، فهي هبة، والهبة أمر يرجع للواهب ولا يحل لأحد أن يوجب عليه ما لم يوجبه الشرع، والله قال :﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]. وقال النبي ﷺ :«لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه». [مسند أحمد (34/ 299 ط الرسالة)].
فتخريج المسألة على العمرى وفق المجلس العلمي لا تصح من أوجه :
- أن هذا يخالف مذهب مالك، والمالكية عموما لا يرون صحة هبة البيت للزوجة.[مختصر خليل (ص214)].
- أن العمرى ليست واجبة إجماعا، والإكراه في العقود يبطلها.
- العمرة لا تختص بالزوجة، فقد تهبها لأمك أو أختك أو أخيك أو جارك.. وهذا لا خلاف فيه.
فإيجابها على الرجل لزوجته لم يقل به أحد ولا يمكن أن يقال به، إذ كل من وقع عقدا مكرها بطل العقد.
المجيب : د. قاسم اكحيلات.