إخراج مسكن الزوجية من الميراث قياسا على سكن زوجات النبي ﷺ وميراث المهاجرات.

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. دكتور جزاك الله خيرا، قرأت لشخص أن تمليك الزوجة البيت هو قياس على سكن زوجات النبي ﷺ في بيت النبوة بعد وفاته، وكذا توريثه ﷺ المهاجرات بيوتا دون باقي الورقة كما ورد في الحديث.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

ما ورد في سكن زوجات النبي ﷺ بعد وفاته وقضية توريث المهاجرات، لا علاقة له بإخراج سكن الزوجية من الميراث، وبيان ذلك في نقاط : 

1. بقاء زوجات النبي ﷺ في بيوتهن ليس ميراثا، لأن النبي ﷺ قال :«‌لا ‌نورث، ما تركنا صدقة». [صحيح البخاري (8/ 149)]. وإنما بقين فيها لأن هذا مما أعطاه لهن النبي ﷺ في حياته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :«لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد ‌نفقة ‌نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة». [صحيح البخاري (4/ 81)]. والسكن من جملة النفقة، وبهذا ملكنه. أما من قال أنه لو كان ذلك ملكا لهن لورثه عنهن ورثتهن، ففي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن لهن ملكا. [التمهيد - ابن عبد البر (5/ 477 ت بشار)]. فيجاب  عنه بأن عدم النقل لا يعني عدم وقوعه، ويدل على هذا تصرفهن في البيوت، عن هشام بن عروة :«‌كان عبد الله بن الزبير يعتد بمكة ما لا يعتد بها أحد من الناس، أوصت له عائشة بحجرتها، واشترى حجرة سودة». [السنن الكبير للبيهقي (11/ 430 ت التركي)]. فلو لم تكن لهن ملكا ما أوصت له عائشة ولا باعته سودة. وكذلك استئذان عمر عائشة أن يدفن مع النبي ﷺ [صحيح البخاري (2/ 103)].  وعن عبد الله بن عمر قال: «ارتقيت فوق ‌ظهر ‌بيت ‌حفصة لبعض حاجتي..». [صحيح البخاري (1/ 42)].

2. أما توريث المهاجرات فقد ورد فيه حديث زينب :«أنها كانت تفلي رأس رسول الله ﷺ، وعنده امرأة عثمان بن عفان، ونساء من المهاجرات، وهن يشتكين منازلهن أنها تضيق عليهن، ويخرجن منها، فأمر رسول الله ﷺ أن ‌تورث ‌دور ‌المهاجرين النساء، فمات عبد الله بن مسعود، فورثته امرأته دارا بالمدينة». [سنن أبي داود (3/ 145 ط مع عون المعبود)]. وإسناده حسن.
المهاجرون  لم تكن لهم بيوت وإنما هي إقطاعات، فيكون المعنى أن النساء المهاجرات أعطين الدور من خزينة الدولة لا من ملك أزواجهن. ويدل على هذا حديث زينب :«أن النبي ﷺ ورث النساء ‌خِططهن». [مسند أحمد (44/ 601 ط الرسالة)]. والخِطط جمعة خطة، والخطة: الأرض والدار يختطها الرجل في أرض غير مملوكة ليتحجرها ويبني فيها. [تهذيب اللغة (6/ 296)]. والمعنى أن يجعل عليها علامة لتعرف أنها له، فقد كان النبي ﷺ أعطى نساء خِططا يسكنها بالمدينة، فجعلها لهن دون الرجال لا حظ فيها للرجال.  ومعنى ذلك أن تلك البيوت كانت مما أعطاه لهن النبي ﷺ من بيت مال المسلمين، فلما توفي أزواجهن لم يكن للورثة حق فيها. ولا علاقة لكل هذا بإخراج بيت الزوجية من مجمل الميراث. 

ومن العلماء من قال أن الذي حصل أن النبي ﷺ جعل البيت من نصيب نساء المهاجرين، ومعنى ذلك أن يموت رجل ويترك سيارة وبيتا ومالا وبساتين.. فيمكن أن نعطي الزوجة البيت بدل أن نعطيها السيارة والمال والبساتين، وهذا في الأصل يكون بالاتفاق، أو ينظر في ذلك القاضي العدل، ولا  يلغي حق الورثة في البيت. وشبيه ذلك كثير، قال مالك :«فيمن هلك، وترك أموالا ‌بالعالية ‌والسافلة -جهتان بالمدينة- : إن البعل-هو الذي يسقى بغير كلفة- لا يقسم مع النضح-هو الذي يسقى بكلفة-. إلا أن يرضى أهله بذلك..». [موطأ مالك - رواية يحيى (2/ 747 ت عبد الباقي)]. ومعنى ذلك أن الأرض التي تسقى بغير كلفة فيها العشر، والتي تسقى فيها نصف العشر، فلا يمكن أن يستويا. وكمن ترك أراضا منها ما هو قريب للنهر ومنها ما هو بعيد، فلا شك أن من يرث البعيدة سيتضرر، فيمكن أخذ البعيدة مقابل مساحة أكبر مقارنة مع من أخذ القريبة من النهر.

3. بعدما أثير الموضوع، صاروا يقولون أنه لا يراد مما ذكر أنها تملك البيت، وإنما تظل فيه مدة معينة!. وهذا أيضا ليس دينا، لأن حقها في مدة العدة وهي أربعة أشهر وعشرا، بل هذا واجب عليها.  أما ما يسمى بـ(الإرفاق) فيكون من الخزينة لا من أملاك الناس، فيجوز للإمام - إذا رأى المصلحة - أن يقطع من أراضي بيت المال أو عقاره - بعض الناس ‌إرفاقا أو ليأخذ الغلة. [الموسوعة الفقهية الكويتية (8/ 259)]. لهذا المالكية نصوا على أن الزوج المتوفي إن كان يكتري بينا ومات، فإن الزوجة تخرج من بيت الكراء ولا تعتد فيه، ولا يحل أداء مدة الكراء من التركة لأن جميع التركة للورثة.[الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (ص100)]. 

4. المسلمة بعد فراق زوجها تكون نفقتها على أوليائها من الرجال، فالزبير وقف دارا له على المطلقة ‌من بناته. [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 350 ت الحوت)]. وفي حال عدم قدرة الأولياء على ذلك أو تخليهم، فإن الدولة هي المسؤولة عنهن، فتعطيهن بيوتا وراتبا، وهذا مما لم يذكره مجتهدو المدونة!.

المجيب : د قاسم اكحيلات.