حكم الإفطار في صوم النافلة
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا كيف حالكم بارك الله فيكم هل من صام النافلة ثم أفطر متعمدا قبل غروب الشمس عليه شيء؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
الحاصل :«من أفطر في صوم التطوع لسبب فلا يلزمه شيء. أما من أفطره لغير سبب، فقد قال الشافعية والحنابلة: لا شيء عليه، وخالف في ذلك المالكية والحنفية فقالوا: لا يحل له ولو فعل لزمه القضاء».
اتفق الفقهاء على أن من أفطر في صيام التطوع بسبب عذر شرعي فلا شيء عليه [بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 74)]. وإنما الخلاف فيمن كان يصوم تطوعا ثم أفطر بدون سبب شرعي على قولين :
القول الأول : لا شيء عليه، وهو قول الشافعي [الأم للإمام الشافعي (2/ 112 ط الفكر)]. وأحمد [الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه (7/ 478)]. ولهم أدلة :
- قول ربنا :﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: 91]. وهو محسن فيما يفعل، فلو وجب عليه القضاء يكون عليه سبيل هذا كمن أخرج درهمين، ليتصدق بهما فتصدق بأحدهما، لا يلزمه التصدق بالآخر. [البناية شرح الهداية (4/ 88)].
- عن عائشة أم المؤمنين قالت :«دخل علي النبي ﷺ ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟. فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائما، فأكل». [صحيح مسلم (3/ 159)]. ولم ينقل عليه ﷺ قضاء. لكن رد عليهم بأن عدم النقل لا يعني عدم حصوله.
- عن أم هانئ قالت :«دخل علي رسول الله ﷺ وأنا صائمة فأتي بإناء من لبن فشرب ثم ناولني فشربت، فقلت: يا رسول الله، إني كنت صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك، فقال رسول الله ﷺ: إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه، وإن كان من غير قضاء رمضان فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي». [السنن الكبرى - النسائي - ط الرسالة (3/ 366)]. ورُد عليهم بأنه حديث مضطرب سندا ومتنا.
- عن أبي سعيد الخدري أنه قال :«صنعت لرسول الله ﷺ طعاما فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام، قال رجل من القوم: إني صائم فقال رسول الله ﷺ: دعاكم أخوكم وتكلف لكم، ثم قال له: أفطر وصم مكانه يوما إن شئت». [السنن الكبرى - البيهقي (4/ 462 ط العلمية)]. ورد عليهم بأنه ضعيف.
القول الثاني : أن عليه القضاء، وهو قول مالك [المدونة (1/ 272)]. والحنفية [التجريد للقدوري (3/ 1554)]. ودليلهم :
- قول الله :﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]. ورد عليهم بأن المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، وذلك العمل المفروض ينهى الرجل عن إحباط ثوابه، فأما ما كان فعلا فلا، فإنه ليس واجبا عليه. فإن زعموا أن اللفظ عام. قيل: العام يجوز تخصيصه ووجه تخصيصه أن الفعل تطوع والتطور يقتضي تخيرا، وهذا مستقصى في كتب الفقه. [أحكام القرآن للكيا الهراسي (4/ 375)].
- عن عائشة قالت :«كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء النبي ﷺ فبدرتني إليه حفصة - وكانت بنت أبيها - قالت: يا رسول الله، إنا كنا صائمتين اليوم، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه. فقال: اقضيا يوما آخر». [مسند أحمد (43/ 306 ط الرسالة)]. ورد عليهم بأنه ضعيف.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال :«لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه». [صحيح البخاري (7/ 30)]. فلو كان للرجل أن يفسد عليها صومها بجماع ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحا كان إذنه لا معنى له. [شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 316)]. ورد عليهم بأن هذا إنما كان لسبب هو أن الزوج قد يريدها وهي صائمة فيتحرج من قطع صوم نافلتها.
- قال رسول الله ﷺ لرجل يوجب عليه الصيام :«وصيام رمضان. قال: هل علي غيره؟. قال: لا، إلا أن تطوع». [صحيح البخاري (1/ 18)]. فقالوا المراد إلا أن تشرع في تطوع فيلزمك إتمامه. [فتح الباري لابن حجر (1/ 107 ط السلفية)]. ورد عليهم بأن أن الاستثناء هنا من غير الجنس، لأن التطوع لا يقال فيه عليك، فكأنه قال: لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك. وقد علم أن التطوع ليس بواجب فلا يجب شيء آخر أصلا. [فتح الباري لابن حجر (1/ 107 ط السلفية)].
والمفتى به عندنا أن المتطوع أمير نفسه، ولا يلزمه قضاء إذا أفطر، وهذا لقوة أدلة الشافعية والحنابلة، ويقوي ما ذهبوا إليه أن أبا الدرداء صنع طاعا لسلمان وقال له :«كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل». [صحيح البخاري (8/ 32)]. ولما بلغ النبي ﷺ لم ينكر ذلك.
المجيب : د. قاسم اكحيلات.