حكم الصلاة في نفس المكان من المسجد

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبياكم وبارك فيكم ، سؤالي هو: ما حكم وضع سجادة الصلاة في مكان في الصف الأول والذهاب الى تجديد الوضوء أو الجلوس في السارية ؟. يعني ما حكم التوطين في المساجد أي ما يشبه حجز مكان في الصف وهل يفرق إذا بقيت في المسجد اولا واذا كان لحاجة أم لا ؟. أفيدوني جزاكم الله خيراً وشكر لكم وأحسن إليكم.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

الحاصل :«الذي عليه جمهور العلماء كراهية أن يتخذ المسلم مكانا خاصا يصلي فيه، وورد عن بعض السلف جوازه، والحديث في النهي ضعيف وصح عكسه، إلا إن حُمل على خشية اتخاذه عادة، أو كان سالبا للخشوع فيكره حينها».

الذي عليه جمهور الفقهاء كراهية ذلك، ودليلهم حديث عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثلاث :«عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن ‌يوطن ‌الرجل المقام كما يوطن البعير». [مسند أحمد (24/ 292 ط الرسالة)]. والتوطين معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه، ‌كالبعير. [النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 204)].
 لكن الحديث ضعيف، فقد رواه احمد «15532 - حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الحميد، قال: حدثني أبي، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل..». [مسند أحمد (24/ 292 ط الرسالة)]. وتميم بن محمد قال فيه البخاري :«في حديثه نظر». [فتح الباري لابن رجب (4/ 53)].

وصح ما يخالفه، فعن يزيد بن أبي عبيد قال :«كنت آتي مع سلمة بن الأكوع، فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟. قال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ‌يتحرى ‌الصلاة ‌عندها». [صحيح البخاري (1/ 106)].

وللعلماء توجيهات : 
تضعيف الحديث،  فيكون حكمه الجواز كما ذهب إلى ذلك سعد[مصنف ابن أبي شيبة (1/ 432 ت الحوت)]. والمسور[مصنف ابن أبي شيبة (1/ 432 ت الحوت)]. و القاسم بن محمد.[مصنف ابن أبي شيبة (1/ 432 ت الحوت)].

النهي خاص بالفرض دون النفل، وهو قول الحنابلة [فتح الباري لابن رجب (4/ 53)]. فقد ورد في رواية التصريح بأن هذه الصلاة كانت تطوعا كما عند مسلم :«كان يتحرى موضع مكان ‌المصحف ‌يسبح ‌فيه». [صحيح مسلم (2/ 59)]. والسُبحة هي النافلة.
وقيل أن المقصود بصلاته عند الأسطوانة : جعلها سترة له، فكان يصلي ويجعلها أمامه. وهذا ظاهر تبويب البخاري :«‌‌باب الصلاة إلى الأسطوانة وقال عمر المصلون أحق بالسواري من المتحدثين إليها ورأى عمر رجلا يصلي بين أسطوانتين فأدناه إلى سارية فقال صل إليها». [صحيح البخاري (1/ 106)].
-ومنهم من حمل النهي على الكراهة جمعا بين حديث النهي وحديث الجواز، وهذا مذهب جمهور الفقهاء.

والمفتى به عندنا جواز ذلك لضعف الحديث، إلا إن خشي تخصيص المكان بالعبادة، أو يكون سببا لذهاب الخشوع، لأنه ‌إذا ‌اعتاده ‌ثم ‌صلى ‌في ‌غيره ‌يبقى ‌باله ‌مشغولا بالأول، بخلاف ما إذا لم يألف مكانا معينا. [حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي (1/ 662)]. وهذا لا يدخل فيه الوقت اليسير، كما لو قام للوضوء مثلا.. [حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي (1/ 662)].

المجيب : د. قاسم اكحيلات.