الألوان التي تحل للمرأة
السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. يا شيخ بالنسبة للون الأسود عند الخروج المرأة هل له أفضلية دينية، وهل صحيح ان السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تطوف باللون الاصفر وتلبس الألوان، فهل تجاهد الواحدة منا فى لبس السواد ام ان هذا تعنت ، خاصة إذا رفض الوالدين وتضايقا من فعلها؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
الحاصل :«لون لباس المرأة المسلمة يرجع لضابطين : أن لا يكون زينة، ولا يخالف عرف العفيفات.. ولا يشترط السواد».
لباس المرأة من حيث اللون ينضبط بأمرين :
- الضابط الأول : أن لا يكون زينة في نفسه، المرأة تلبس لتستر زينتها، وحينما يصير اللباس زينة في نفسه فهذا تحايل على دين الله ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142]. فالله ربنا قال :﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]. فمجرد ضرب المرأة برجلها بخلخال أو حذاء له كعب يصدر رنينا يثير خيال الرجال منهي عنه، فكيف إذا ظهرت هذه الزينة!. قال القرطبي المالكي:«فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد، والغرض التست». [تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (12/ 237)]. فيكون لبس المرأة الثوب المزين خلاف الآية قطعا، كفعل ذلك الابن العاق الذي سمع قول ربنا:{فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} فقال أنا لا أقول لهم ذلك ولكن أضربهما فقط!. فإذا كان مجرد الضرب إيحاء بالزينة محرم فإظهارها أولى بالتحريم. قال الشيخ فريد الأنصاري :«فلا يكون اللباس زينة في نفسه بالوانه وزخرفته..».[سيماء المرأة في الإسلام (ص 108)]. وقال ربنا:﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31] . وما ظهر منها المقصود ما ظهر للمحارم، بدليل ذكر المحارم بعدها ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: 31].
- الضابط الثاني : العرف، فلا يصح من المرأة أن تلبس ثوبا مصبوغا بلون لا يوافق عرف بلدها، والمعتبر العفيفات لا المتميعات، فما تلبسه العفيفات تلبسه هي، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة». [مسند أحمد (9/ 476 ط الرسالة)].
لهذا كانت ألوان الصحابيات مختلفة لاختلاف الأعراف، فحينما جاء امرأة عبد الرحمن بن الزبير تشكيه عند النبي صلى الله عليه وسلم، قالت أمنا :«وعليها خمار أخضر». [صحيح البخاري (7/ 148)]. وعن أم خالد بنت خالد :«أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: من ترون نكسو هذه؟ فسكت القوم، قال: ائتوني بأم خالد، فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: أبلي وأخلقي وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال: يا أم خالد، هذا سناه،» وسناه بالحبشية حسن».[صحيح البخاري (7/ 148)]
أما عن ألوان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يطرح هذا الإشكال بالنسبة لهن، لأنهن لم يكن يُرين أصلا، فحينما يقول ربنا:﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]. هذا كقول ربنا:﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: 51] فالحجاب هو الساتر بين شيئين كالحائط والإزار ونحوهما.. وبهذا تعلم خطأ من تستدل ببعض ألوان لباس زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن أحد يرى ذلك أصلا من الرجال، قال جرير لعطاء :لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك، وأبت. يخرجن متنكرات بالليل، فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت، قمن حتى يدخلن، وأخرج الرجال. وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قبة تركية، لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعا موردا».. [صحيح البخاري (2/ 153)]. فانظري قوله:(وما حجابها؟. قال: هي في قبة تركية، لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك). فأمنا كانت في قبة لوحدها لا يراها أحد أصلا فمن الطبعي أن تلبس أي لون شاءت.
لكن هو قال: (ورأيت عليها درعا موردا). فكيف رآها؟. ورد عند عبد الرزاق راوية فيها كيف تمكن من رؤيتها، قال :«ولكن قد رأيت عليها درعا معصفرا وأنا صبي». [مصنف عبد الرزاق (5/ 281 ط التأصيل الثانية)]. قال ابن حجر:«ولعبد الرزاق درعا معصفرا وأنا صبي فبين بذلك سبب رؤيته إياها». [فتح الباري لابن حجر (3/ 481 ط السلفية)].
فالمسلمة تتستر نفسها، وتختار لونا بعيدا عن الزينة، يوافق عرف العفيفات من أخواتها المؤمنات.
قاسم اكحيلات.