حكم حبس الطيور في الأقفاص
السؤال :
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
خلاف، قال قوم يمنع ذلك واستدلوا :
-عن أبي هريرة «أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة». [سنن أبي داود (4/ 440 ط مع عون المعبود)]. ورد عليهم بأن الذم على إدمان صاحب الحمام على إطارته والاشتغال به وارتقائه السطوح التي يشرف بها على بيوت الجيران وحرمهم لأجله. [شعب الإيمان (5/ 245 ت زغلول)].
- أنه سفه وعبث لا فائدة منه ذكره. ورد عليهم بأن الترويح عن النفس والتنعم بزينة الدنيا على وجه المباح ليس سفها ولا بطرا، بل هو من نعم الله ولو كان حراما لمنعه.
- أن حبسها تعذيب لها، وقد حُبس أعرابي يوما فقال:أنا أقول قاتل الله حابس الطير في الأقفاص فإنه لشجوه وغرمه يترنم والحابس له بشجوه وعذابه وبلباله يتنعم، ولو عرف ما في جوفه من اللهيب الناشئ عن فراق الإلف الحبيب والمكان الرحيب، لكان إلى البكا والوصب، أقرب منه إلى التنعم والطرب، ولكن هان على الخلي، ما يلقى الملي.
ورد عليه : ومن أين عرفت أنت هذا؟ فقال قسته على نفسي، وشبهت حبسه بحبسي، بجامع أن كلا منا نشأ في الفلاة الواسعة، والأقطار الشاسعة.
فانظر حال هذا الأعرابي مع جفائه وغباوته، وعدم مخالطته لذوي العلوم وقلة درايته، كيف أدرك هذا المدرك، تجده قد أصاب في قياسه وأدرك. والله تعالى أعلم. [غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 230)]. ورد عليهم بأن قياسكم الطيور على البشر قياس مع الفارق.
وذهب قوم إلى الإباحة واستدلوا :
- قال ربنا:﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]. فهذه الطيور زينة ولا وجه لمنعكم من تربيتها وحبسها. ورد عليهم بأن الآية لم تنزل في هذا، بل نزلت في قوم كانوا يطوفون عراة بالبيت.
وقد ذكر ابن الجوزي ثلاثة أقوال :أن المشركين عيروا المسلمين، إذ لبسوا الثياب في الطواف، وأكلوا الطيبات، فنزلت..والثاني: أنهم كانوا يحرمون أشياء أحلها الله ، من الزروع وغيرها ، فنزلت هذه الآية..والثالث: نزلت في طوافهم بالبيت عراة.[زاد المسير في علم التفسير (2/ 114)]
- قال ربنا:﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 8]. ورد عليهم بأن التمتع بزينتها في تحريرها، ثم الزينة يشترط فيها أن لا تضر بالغير، وفي حبس الطيور ضرر وتعذيب وسلب لحريتها.
- عن هشام بن عروة قال :«كان ابن الزبير بمكة وأصحاب النبي ﷺ يحملون الطير في الأقفاص». [الأدب المفرد - ت عبد الباقي (ص139)]. ورد عليهم -إن صح- أنهم كانوا يحملونها للأكل.
-عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال :«دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». [صحيح البخاري (4/ 130)]. قالوا لو أطعمتها لما دخلت النار.
ورد عليهم بأن الحديث خرج مخرج التحذير، فالمرأة ظلمت الهرة بتجويعها وحبسها بل بالغت ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض. قال عبد الكريم الحميد :"فهل إذا حبس إنسان ظلما وأطعم وسقي يكون غير ظلم له؟. بل هو ظلم، وإنما منْعُه الطعام والشراب زيادة في الظلم والعدوان.[شكوى الطيور المحبوسة في الأقفاص المنحوسة].
-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :«إن كان النبي ﷺ ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير، ما فعل النغير». [صحيح البخاري (8/ 30)]. ورد عليهم بأنه لا دليل في الحديث على حبسه، فغاية ما فيه أنه كان يلعب به ساعة ثم يحرره
والمفتى به عندنا جواز ذلك، وخاصة أن هذه الأنواع من الطيور لا يمكنها العيش خارجا أصلا، لكن لا بد من شروط :
- إذا لم يكن فيه تعذيب أو تجويع أو تعطيش، ولو بمظنة الغافلة عنه.
- أو بحبسه مع طير آخر ينقب رأسه، كما تفعله الديوك في الأقفاص، ينقب بعضها رأس بعض، حتى إن الديك يقتل آخر وهذا كله حرام بإجماع؛ لأن تعذيب الحيوان لغير فائدة لا يختلف في تحريمه. والفائدة يتأتى وجودها بلا تعذيب، وهذا إن كان يحبسه وحده أو مع لا ينقبه، أو يعمل بينهما حائلا، بحيث لا يصل بعضه إلى بعض.
- ويتفقده بالأكل والشرب، كما يتفقد أولاده.
- ويضع للطير ما يركب عليه كخشبة. وأما أن يضعه على الأرض بلا شيء فذلك يضر به غاية في البرد. [التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية (2/ 98)].
المجيب : د. قاسم اكحيلات.