حكم الدعوة إلى مقاطعة الحج والعمرة.
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل. ظهر قبل أيام مقطع مصوَّر باستخدام الذكاء الاصطناعي، يُظهر أحد المؤثرين وهو يدعو بطريقة غير مباشرة إلى مقاطعة الحج، بدعوى أن أموال الحج تذهب إلى الولايات المتحدة، ثم تُستغل في صناعة الأسلحة التي تُصدَّر إلى الكيان الصهيوني. فما حكم مثل هذه الدعوات التي تحث على ترك ركن من أركان الإسلام؟ وهل يُعدّ هذا كفرًا مخرجًا من الملة؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
مسألة الدعوة إلى ترك الحج نوضحها في نقاط:
أولًا: إن كان القائل من العلمانيين: فلا شك أن كلامه لغوٌ باطل لا يُعتد به، لأن مشكلتهم الأصلية هي مع شعيرة الحج ذاتها، وقد اتخذوا من العواطف سبيلاً لصرف الناس عنها، بدعوى أن الأولى بالأموال أن تُوجَّه إلى الفقراء والمحتاجين.
وهذا تناقض ظاهر، إذ إن هؤلاء ينفقون أموالهم في السياحة والمهرجانات، ويشهد الواقع بذلك:
- فقد حطّمت دبي الرقم القياسي في عرض الألعاب النارية بتكلفة بلغت 20 مليون دولار، واستمر العرض 55 دقيقة.
- كما أقامت الكويت عرضًا مشابهًا استمر ساعة كاملة، أُطلقت فيه أكثر من 77 ألف قذيفة نارية، بتكلفة 15 مليون دولار.
- ومثل ذلك في باريس، إدنبرة، وريو دي جانيرو.. فالأموال تُبذر في الترف واللهو، ولا تُوجَّه للفقراء كما يزعمون.
ثانيًا: إن كان القائل من المنتسبين إلى أهل الخير والدعوة: فيُنظر، فأشهر من أفتى بهذا القول هو الشيخ الصادق الغرياني، حيث قال إنه لا ينبغي تكرار الحج والعمرة، معللًا ذلك بأن الأموال المدفوعة تُستغل من قبل حكومة السعودية في الاعتداء على المسلمين، وتصنيف المقاومة الغزية في خانة الإرهاب.
وهذا القول يُفرَّق فيه بين جانبين:
1- من جهة الحكم العام: الشيخ الغرياني ليس أول من أشار إلى هذا الباب، فقد قال الإمام الغزالي :«أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس، وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق، فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم، فهو كالإعانة بالنفس فليتلطف في حيلة الخلاص..». [إحياء علوم الدين (1/ 262)].
فهذا القول إن ثبت واقعه –أي أن المال يُستغل فعلًا في الظلم والعدوان–، فإنه يدخل في قول ربنا :﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
2- من جهة التنزيل (التطبيق الواقعي):
فلا يمكن الجزم بأن أموال الحج تُستخدم فيما ذُكر، إذ أن تلك الدول لها مصادر تمويل عديدة، ولا تعتمد اعتمادًا جوهريًا على دخل الحجاج.
ومن المجازفة الجزم بأن أموال الحج تُنفق في الإعانة على الظلم والعدوان دون دليل قاطع.
فلا يصح القول بمقاطعة الحج بشكل عام، لأنه عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام، ولا يجوز التهوين من شأنه أو صرف الناس عنه إلا إذا ثبت بدليل واضح أن المال يُستغل فعلًا وبشكل مباشر في الإثم والعدوان، وعندها يُنظر في الحكم الفقهي التفصيلي لا بإطلاق، وخاصة أنه في زماننا تتعالى الأصوات العلمانية لمقاطعة الحج وتمزيق الأمة أكثر مما هي عليه الآن. فلا بد من التعامل مع هذه الدعوة بالحكمة وعدم التسرع واستشارة المختصين الثقات.
المجيب: د. قاسم اكحيلات.