أيهما مقدم، الرجل المعدد أم الأعزب؟.

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله شيخنا متعكم الله بالصحة، يدور نقاش حول مسألة هل الرجل المتزوج أفضل من الأعزب؟. فقد كتب الدكتور حامد الإدريسي بأن المعدد أفضل، ورد عليه الشيخ عصام المراكشي بما أرسلته لكم. فما القول الفصل؟.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
نيين الأمر في أربع نقاط : 

1. وفق ما قرأتُ من كلام الدكتور حامد، فهو مجرد رأي ولا يعد من الأحكام الفقهية، لذا لا يصح تناوله بهذا التضخيم.

2. قولُ الدكتور حامد بأن الزواج بالمعدد أفضل لأن له خِبرة، ليس على إطلاقه، صحيح أنه صاحب خِبرةٍ في إدارة الأسرة، لكن هذا لا يجعل له الأفضلية بإطلاق. لأن أصل مسألة التفاضل بين التعدد والاكتفاء بواحدة خلاف، قال الشافعي: «وأحب له أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر». [البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 189)]. فكيف يكون المعدد أفضل من غيره بإطلاق؟. بل نص بعض الفقهاء على أن الرجل البكر مقدم، قال في الإحياء :«كما يستحب نكاح البكر يستحب أن لا يزوِّج ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط؛ لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف». [النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 14)]. لهذا ذكر الفقهاء أن الأب لو رفض رجلاً معدداً تقدم لابنته لا يعد عاضلاً، فهو أدرى بحالها من حيث قبول الضرة والغيرة وما يكون بين النساء.
 
3. احتجاج الدكتور عصام على قوله بأن الفقهاء لم يذكروا هذا ضمن الكفاءة قول غير سديد من حيث العموم، فمن الفقهاء من اعتبر الكفاءة هي الدين والنسب والحرية والصناعة والمال، وقيل أن قريش لا يكافئهم إلا قرشي، وبنو هاشم لا يكافئهم إلا هاشمي. [زاد المعاد ط عطاءات العلم (5/ 222)]. بل يُحكى أن طاوسا كان لا يحضر نكاح سوداء بأبيض، ولا بيضاء بأسود. [أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (1/ 632)]. ويشبه قول طاووس ما قاله بعض علماء المالكية من أن السوداء تزوج بولاية المسلمين العامة، بناء على أن مالكا يجيز تزويج الدنية بولاية عامة المسلمين إن لم يكن لها ولي خاص مجبر. قالوا: والسوداء دنية مطلقًا؛ لأن السواد شوه في الخلقة، وهذا القول مردود عند المحققين من العلماء. [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 493 ط عطاءات العلم)]. وذكرتُ هذا لبيان أن الحديث عن الكفاءة تدخل فيه أمور عرفية لا عبرة بها شرعًا.
4. من الأدلة التي ذكرها الدكتور عصام لإبطال رأي الدكتور حامد، القياس على تفضيل البكر، قال: تقديم الثيب على البكر مخالف للسنة!.
وهذا خطأ، لأنه ثبت عن النبي ﷺ إقراره بتقديم الثيب، فإن كانت خبرة البكر غير مطلوبة في أمور الرجال، فخبرة الثيب مطلوبة في أخرى، وأقصد بهذا حديث جابر، فقد قال له النبي ﷺ: «تزوجت؟. قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك. قلت: إن لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن، وتقوم عليهن». [صحيح البخاري (3/ 62 ط السلطانية)]. وفي رواية: «يا رسول الله توفي والدي أو استشهد، ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن». [صحيح البخاري (4/ 52 ط السلطانية)]. وفي رواية: «إن عبد الله هلك، وترك تسع بنات أو سبع». [صحيح مسلم (4/ 176 ط التركية)]. وفي رواية بالجزم: «وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات». [صحيح البخاري (5/ 96 ط السلطانية)]. فقال له النبي ﷺ مقرًّا :«بارك الله لك أو خيرًا». [صحيح البخاري (7/ 66 ط السلطانية)]. فذكر العلماء أن تصرف جابر يدلُّ على فضل عقله؛ فإنه راعى مصلحة صيانة أخواته، وآثرها على حق نفسه، ونيل لذته؛ ولذلك استحسنه منه النبي ﷺ وقال له: (فبارك الله لك) وقال له خيرًا». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 215)]. فتبين أن تقديم البكر لا يُرغَّب فيه دائمًا، وإنما لكل أحواله.

فحاصل المسألة هو أن التفاضل بين المعدد وغيره من الناحية الأسرية أمر نسبي، فإن كان المعدد صاحب خِبرة في إدارة الأسرة ومشاكلها، فالأعزب أعدل لأنه ضمن دائرة زوجة واحدة.
 ومن الناحية الفقهية، فالذي دلّت عليه الشريعة، أن التفاضل في الدين والخلق، وما ذكره الفقهاء من أمور زائدة إنما هي بالنظر لنصوص لم تصح أو أعراف منتشرة في بعض المجتمعات.

المجيب د. قاسم اكحيلات.