الحلال والحرام في الرسم

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته. يا شيخ هل يجوز رسم ذوات الأرواح.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الرسم قد يقصد به  :

-  التماثيل وكل الأشكال المنحوتة والمجسمة التي لها ظل ولها روح كالإنسان والحيوان، كل هذه محرمة ولا إشكال في هذا، لقول رسول الله ﷺ :«من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ‌وليس ‌بنافخ». [صحيح البخاري (7/ 169 ط السلطانية)].
قال النووي :«وأجمعوا على ‌منع ‌ما ‌كان ‌له ‌ظل ووجوب تغييره». [شرح النووي على مسلم (14/ 82)].

 -  الشجر والحجر والسيارات ونحو هذا مما لا روح له، فهو مباح لا حرج فيه، قال النووي : «الشجر ونحوه ممالا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به وسواء الشجر المثمر وغيره وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه قال القاضي لم يقله أحد غير مجاهد». [شرح النووي على مسلم (14/ 91)].

- رسم ما له روح على الورق بالقلم والريشة، هذا مختلف فيه بين أهل العلم، فذهب القليل إلى أنه مباح وقال إن التحريم ما كان فيه تجسيم كالتماثيل ونحوها.. وذهب الأكثرون إلى أنه حرام ويلحق ما كان له ظل ومجسم، وهو الصواب فالرسم على الورق محرم ‌عن عائشة رضي الله عنها، «قدم رسول الله ﷺ من سفر وقد ‌سترت ‌بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله ﷺ هتكه، وقال: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله، قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين.». [صحيح البخاري (7/ 168 ط السلطانية)] والقرام هو ستر من صوف، كان مرسوم عليه صورا، ولا فرق بين الرسم على الصوف وعلى الورق.

فرسول الله ﷺ أمر عائشة بإزالة تلك الصور المصورة على الصوف وهذا دليل حرمة الرسم على الورق. وعن ‌عائشة قالت: « قدم رسول الله ﷺ من سفر، وقد سترت على ‌بابي ‌درنوكا-نوع من الستائر- فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته .». [صحيح مسلم (6/ 158 ط التركية)].

-    أما رسم الرأس بدون جسد فمحل خلاف، فقال قوم هو محرم، لعموم النهي عن تصوير ما فيه روح عموما.
وقيل هو مباح،  لأن الصورة الموجودة ليست كاملة، وهذا الذي نراه لقول النبي ﷺ :«الصورة ‌الرأس، فإذا قطع ‌الرأس فلا صورة». [معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي (2/ 662)].
قال ابن قدامة :«وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو ‌رأس ‌بلا ‌بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان». [المغني لابن قدامة - ط مكتبة القاهرة (7/ 282)].

وقال ابن بلبان :«ويحرم تعليق ما فيه صورة حيوان، وستر الجدر به، وتصويره، فإن قطع رأس الصورة أو ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه؛ كصدرها وبطنها، أو صورت بلا رأس، أو بلا صدر أو بلا بطن، أو جعل رأسها منفصلا عن بدنها، أو ‌رأس ‌بلا ‌بدن، فلا كراهة». [مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات (ص371)].
-    الرسم المخلوقات المتخيلة يدخل في الحرمة أيضا، عن ‌عائشة قالت: « قدم رسول الله ﷺ من سفر، وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته». [صحيح مسلم (6/ 158 ط التركية)].

-  الدمى أو لُعب الاطفال (مونيكات) وكذا الرسوم لهم، كل هذا مباح وليس بحرام ومستثنى مما ورد ، عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت ‌ألعب ‌بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله ﷺ إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي.». [صحيح البخاري (8/ 31 ط السلطانية)].
و«عن عائشة قالت: قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: "ما هذا يا عائشة؟ " قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قالت: فرس، قال: "وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحان: قال: "فرس ‌له ‌جناحان؟! " قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه». [سنن أبي داود (7/ 292 ت الأرنؤوط)]

فلا حرج وهو مباح، قال القاضي عياض :«يختلف في كراهة ما كان له ظل ووجوب تغييره وكسره، إلا ما ورد فى اللعب ‌بالبنات ‌لصغار ‌البنات والرخصة فى ذلك». [إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 635)].

قال النفراوي :«يستثنى مما له ظل قائم المجمع على حرمته صور لعب البنات فإنه لا تحرم، ويجوز استصناعها وصنعها وبيعها وشراؤها لهن لأن بهن ‌يتدربن ‌على ‌حمل ‌الأطفال». [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 315)].
-    اما التصوير بالكاميرا فقد اختلف فيه علماء العصر، ونحن نرجح جوازه كما بينا (هنا) .
الأفرشة التي فيها صور لا حرج فيها على الراجح، لأنها توطأ وتتعرض للمهانة، عن ‌عبد الرحمن بن القاسم ، عن ‌أبيه : أنه سمع ‌عائشة تقول: « دخل علي رسول الله ﷺ وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت عائشة: فقطعناه ‌فجعلنا ‌منه ‌وسادة أو وسادتين .». [صحيح مسلم (6/ 159 ط التركية)].
وكونها جعلتها وسائد أكيد ستظل بعض بالصور، وقد ذكر ابن عبد البر نقولا عن السلف في جواز هذا، وقال بعده : «هذا أعدل المذاهب وأوسطها في هذا الباب، وعليه أكثر العلماء، ومن حمل عليه الآثار لم تتعارض على هذا التأويل، وهو أولى ما اعتقد فيه، والله الموفق للصواب». [التمهيد - ابن عبد البر (13/ 404 ت بشار)].

وقال شيخنا  الطريفي :«وما كان ‌ممتهنا ‌في ‌الأرض ‌والبسط ‌والأحذية، وما كان من الأزر والسراويل والخفاف والجوارب والمجالس والمراتب والأرائك: فجائز، وروي عن أكثر السلف عدم كراهة ذلك؛ صح ذلك عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير». [التفسير والبيان لأحكام القرآن (2/ 624)].

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.