الوضوء من الماء المتبقي بعد وضوء المرأة

السؤال :

السلام عليكم شيخنا الفاضل كيف حالك عندي سؤال جزاك الله خيرا . سمعت أن المرأة إذا توضأت من إناء وبقي فيه ماء لا يجوز للرجل أن يتوضأ منه  ھل ھذا صحيح.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

•  الخلاصة : «هذه المسألة تعرف بفضل طهور المرأة، والجمهور على جواز ذلك، ومنع بعض العلماء، وحكي الإجماع على جواز طاهرة المرأة بفضل الرجل، وفي نقل الإجماع نظر. والظاهر جواز ذلك للرجال والنساء».

بيان  هذا في ثلاث هذا مسائل : 

المسألة الأولى : هذا الذي ذكرتم يعرف بفضل طهور المرأة، ومعناه الماء الذي فضل-أي بقي- عن الطهارة، كما لو توضأ شخص من إناء، وبقي فيه ماء.

الثاني : اختلف العلماء في حكم الطهارة بفضل طهور المرأة، والذي عليه جمهور العلماء جواز ذلك واستدلوا : 
- عن ابن عباس أخبره أن رسول الله ﷺ:«كان يغتسل ‌بفضل ‌ميمونة». [صحيح مسلم (1/ 177 ط التركية)]. وهذا صريح في أنه ﷺ كان يغتسل بماء زوجته ميمونة.
لكن رُد عليهم بأن الحديث معلول، والصواب أن الحديث عن ابن عباس قال: أخبرتني ميمونة « أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ في إناء واحد». [صحيح مسلم (1/ 176 ط التركية)]. وخاصة أن الحديث اختلف فيه على ابن عيينة، وقال :«أكبر ‌علمي ‌والذي ‌يخطر ‌على ‌بالي أن أبا الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره». [صحيح مسلم (1/ 177 ط التركية)]. هكذا على الشك. قال ابن حجر: «‌والمحفوظ ‌ما ‌أخرجه ‌الشيخان ‌بلفظ ‌أن ‌النبي ﷺ وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد». [فتح الباري لابن حجر (1/ 300 ط السلفية)].
•  «عن ابن عباس: أن بعض أزواج النبي ﷺ اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي ﷺ بفضله، فذكرت ذلك له، فقال:  إن ‌الماء ‌لا ‌ينجسه ‌شيء ». [مسند أحمد (4/ 14 ط الرسالة)]. ورد بأن الحديث اضطرب فيه سماك عن عكرمة.

وقال قوم بل هذا ممنوع وهذ المشهور عند الحنابلة وبه قال بن حزم، واستدلوا : 
•  «عن حميد بن عبد الرحمن، قال: لقيت رجلا صحب النبي ﷺ كما صحبه أبو هريرة أربع سنين، قال: نهانا رسول الله ﷺ أن يتمشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، ‌وليغترفا ‌جميعا». [مسند أحمد (38/ 211 ط الرسالة)]. وإسناد الحديث صحيح. لكن قوله (‌وليغترفا ‌جميعا) لا فرق بينه وبين الفضل، لأن المرأة والرجل إذا اغترفا جميعا من إناء واحد في الوضوء، فمعلوم أن كل واحد منهما متوضئ بفضل صاحبه». [التمهيد - ابن عبد البر (9/ 69 ت بشار)]. ثم هو مخالف لما حكي من إجماع على جواز المرأة من وضوء الرجال!. وفي الحديث: (أو يغتسل الرجل بفضل المرأة).
•  عن عاصم الأحول ، قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن رجل من أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ «نهى أن يتوضأ من ‌فضل ‌وضوء ‌المرأة». [مسند أبي داود الطيالسي (2/ 581)]. وقد أعل بالوقف.
بل  الإمام أحمد أعل جميع الأحاديث، قال رحمه:«الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة ‌وفي ‌جواز ‌ذلك ‌مضطربة». [فتح الباري لابن حجر (1/ 300 ط السلفية)].

والذي نقول به، أنه يجوز الوضوء بفضل ماء المرأة، لأن الماء طاهر أولا، فإن كان الماء المتبقي من الهرة طاهر فالأولى به البشر.
وهذا أيضا يدل عليه حديث عبد الله بن عمر، أنه قال: «كان ‌الرجال ‌والنساء ‌يتوضئون في زمان رسول الله ﷺ جميعا». [صحيح البخاري (1/ 50)]. وفي هذا الحديث دليل واضح على إبطال قول من قال: لا يتوضأ بفضل المرأة؛ لأن المرأة والرجل إذا اغترفا جميعا من إناء واحد في الوضوء، فمعلوم أن كل واحد منهما متوضئ بفضل صاحبه. [التمهيد - ابن عبد البر (9/ 69 ت بشار)]. ولا يفهم من الحديث جواز وضوء النساء مع الرجال كما سبق بيانه (هنا).

الثالثة : بالنسبة لوضوء الرجل من فضل المرأة فقد حكى النووي الإجماع على جوازه، وفيه الإجماع نظر، فقد حكى الطحاوي الخلاف فيه أيضا،[شرح معاني الآثار (1/ 24)].
والمفتى به عندنا جواز ذلك، فيجوز للرجل الوضوء من فضل ماء المرأة، وكذا المرأة تتطهر بفضل طهور الرجل.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.