إباحة الشافعي زواج الرجل من ابنته من الزنا
السؤال :
السلام ورحمة الله وبركاته. بارك الله فيكم دكتور، هناك من الملاحدة من يثير شبهة إباحة الإمام الشافعي زواج الرجل من ابنته من الزنا، فما صحة هذا، وكيف نرد عليهم.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
من زنا بامرأة ثم ولدت بنتا، فهل يجوز لهذا الذي زنا بالمرأة أن يتزوج من ابنتها التي هي من مائه؟
هذه المسألة يجاب عنها من وجهين:
1. الذي عليه جمهور الفقهاء أن هذا محرم، وهذا الصواب، لقول ربنا:﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]. فهي تسمى بنتا، وهي ابنته قدرا لا شرعا، وكذا ما ورد في قصة جريج الذي اتُهم بامرأة، فقالت: لأفتنن جريجا، فتعرضت له، فكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: هو من جريج، فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي». [صحيح البخاري (3/ 137)]. وكذا في أمر هلال بن أمية قد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء». [صحيح البخاري (6/ 101)].
وإذا كان الرجل صاحب لبن المرضعة يكون أبا للبنت التي رضعت من زوجته فكيف بمن تحقق أنها من مائه، فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه، فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية، والمخلوقة من مائه كإسمها مخلوقة من مائه، فنصفها أو أكثرها بعضه قطعا، والشطر الآخر للأم. وهذا قول جمهور المسلمين، ولا يعرف في الصحابة من أباحها، ونص الإمام أحمد على أن من تزوجها قتل بالسيف، محصنا كان أو غيره. [زاد المعاد ط عطاءات العلم (6/ 177)]. وهذا ذكرناه قبلا في مسألة لن الفحل (هنا) فراجعها.
وهذه المسألة لا ينبغي خلطها بأمر الميراث التي هي أيضا مختلف فيها، فالولد من الرضاع له حكم الابن في المحرمية لا في الميراث والنفقة..[تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (1/ 567)]
2. رُوي عن الشافعي كراهة الزواج منها، ففهم قوم أن هذه الكراهة هي كراهة التنزيه وهذا خطأ، وقد نبه على هذا ابن القيم، قال رحمه الله :«وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة». [إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 32 ط العلمية)].
فالإمام أحمد مثلا، قال في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ومذهبه تحريمه. وعن أبي حنيفة: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير، وقد صرح الأصحاب أنه حرام. وعن الإمام مالك في كراهة الشطرنج، وهذا عند أكثر أصحابه على التحريم. وكذلك الأمر عن الشافعي، فهو نص على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا، ولم يقل قط إنه مباح ولا جائز. راجع :[إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 34 ط العلمية)].
فهذا القول لم يقله الشافعي، وخطأ كائنا من قاله، فالقول بجواز إتيان البنت من الزنا يلزم منه القول بجواز إتيان الأم من الزنا ولم يقله أحد.
المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.