حكم الدمى للبالغات

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما حكم شراء دمى العرائس، لكن ليس للأطفال انما لفتاة تجاوزت 16 سنة، فهي في صغرها كانت تتمنى الحصول عليها لكن بسبب الظروف لم يتاح لها ذلك. أم أن هذه الدمى تعتبر من ذوى الأرواح ووجودها في البيت يمنع دخول الملائكة.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

      الخلاصة :«يحرم اتخاذ ما له روح، إلا ما استثني من دمى الأطفال، لكن هل يجوز هذا للبالغات كذلك؟. ورد حديث عائشة أنها كانت تلعب بالدمى وهي بالغة، وهذا جعل العلماء يختلفون، ونحن نرى جواز ذلك لهن إن كان بغرض اللعب والمؤانسة ونحوه».

من المعلوم حرمة اتخاذ التماثيل والرسومات، لكن لذلك استثناءات، منها الدمى التي يلعب بها بها الصغار كما سبق وبينا (هنا). لكن هل تجوز للبالغات أيضا؟. 
للحكم على هذه المسألة لا بد من تأمل حديث عائشة رضي الله عنها، فعنها قالت :«قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، ‌وفي ‌سهوتها ‌ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟. قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع. فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟. قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟. قلت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟!. قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟. قالت: فضحك رسول الله ﷺ حتى رأيت نواجذه». [سنن أبي داود (4/ 439 ط مع عون المعبود)]. 
في هذا الحديث أن رسول الله ﷺ دخل عليها ولها بنات -دمى- تلعب بها، ومن بين تلك الدمى يوجد  فرس له جناحان. فرد بعض العلماء على هذا أنها لم تكن بالغة كما قال الخطابي:«رخص لعائشة فيها لأنها ‌إذ ‌ذاك ‌كانت ‌غير ‌بالغ، ومعنى الكراهة فيها قائم للبوالغ». [أعلام الحديث (3/ 2201)].  لكن تعقبه ابن حجر، وجزم ببلوغها، قال رحمه الله:«وفي الجزم به نظر، لكنه محتمل ; لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها. وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا، فيترجح في رواية من قال في خيبر، ويجمع بما قال الخطابي لأن ذلك أولى من التعارض». [فتح الباري لابن حجر (10/ 527 ط السلفية)].
ومنهم من قال أن ذلك كان قبل تحريم الصور والتماثيل، ثم كان تحريمها بعد ذلك، فمن جملة من روى النهى عنها عن النبي ﷺ أبو هريرة، وإسلامه كان زمن خيبر، فيكون السماع بعده، وفى حديث جابر أن النبي ﷺ أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي ﷺ حتى محيت كل صورة فيها. [السنن الكبير للبيهقي (21/ 129 ت التركي)].

والظاهر أنها كانت بالغة، فقد حكت أن هذا وقع في زمن غزوة تبوك أو خيبر، فإن وقع في غزوة تبوك فقد كان سنها حين إذن 16 سنة على الأقل، لأنه هذه العزو وقعت سنة تسع للهجرة، وإن كانت في غزوة خيبر، فسيكون عمرها حينئذ 15 سنة، لأن غزوة خيبر وقعت في سنة سبع للهجرة. وقد ورد عنها قولها :«لقد رأيت رسول الله ﷺ يوما على باب حجرتي، ‌والحبشة ‌يلعبون في المسجد، ورسول الله ﷺ يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم». [صحيح البخاري (1/ 98)]. وهذا حصل بعد دخول وفقد الحبشة كما عند ابن حبان«5823». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (6/ 562)]. ودخول الحبشة كان سنة سبع التي كانت فيها غزوة خيبر، قال ابن حجر:«فالظاهر أن ذلك ‌وقع ‌بعد ‌بلوغها، وقد تقدم من رواية ابن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة، وكان قدومهم سنة سبع، فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة». [فتح الباري لابن حجر (2/ 445 ط السلفية)]. فجزم ابن حجر أن سنها في خيبر كان 15 سنة.
ووفق هذا الحديث فنرى جواز ذلك للبالغات لأمور : 
- لأن عائشة كان لها دمى وهي بالغة، ولا يقال أنها لم تكن كاملة الخلقة، فعنها قالت :« قدم رسول الله ﷺ من سفر، وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته». [صحيح مسلم (6/ 158)]. فالخيل ذوات الأجنحة التي أباح لها وهي تلعب بها، هي نفسها التي منعها منها وهي في ستر وهو الدرنوك.
لأن الدمى عرضة للامتهان، وما كان ممتهنا جاز كالذي في الأفرشة ونحوها، فعنها قالت:« دخل علي رسول الله ﷺ وقد سترت ‌سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين». [صحيح مسلم (6/ 159)]. فرسولَ اللَّه ﷺ كرِه من ذلك ما كان سِترًا منصوبًا، ولم يَكره ما اتَّكأ عليه من ذلك وامتَهَنه. [التمهيد - ابن عبد البر (13/ 402 ت بشار)]. فدل على وجود فرق بين الممتهن وغيره كما سبق بيانه (هنا).
من نظر للعلة التي أبيح لأجلها الدمى لغير البالغين، سيجدها في غير البالغات، وهي تدريبهن عن شأن تربية الأولاد، وأيضا استئناس الصبيان وفرحهم.
فالذي نراه، جواز الدمى للبالغات إن كان بهدف اللعب والأنس ونحوه، ولا يحل ما سوى هذا من التماثيل وما يتخذ منصوبا من أجل الزينة وغيره.. فكل هذا محرم.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.