الاستدلال بقول ربنا :﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ ‌حُسْنُهُنَّ ﴾ على عدم وجوب النقاب.

السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما رد فضيلتكم  على من يستدل على عدم وجوب النقال بقول الله :﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ ‌حُسْنُهُنَّ ﴾ [الأحزاب: 52]. فكيف سيعجبه حسنهن إن كن منقبات، ثم قال أن النظرة الشرعية بمفهومها المعروف اليوم لا عهد له في زمن النبوة؟.         

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

قول ربنا ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ‌وَلَوْ ‌أَعْجَبَكَ ‌حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: 52] . لم يستدل به العلماء على كشف الوجه، إنما ذكر ذلك بعض المعاصرين تكلفا،  ويجاب عن هذا الاستدلال  بأجوبة :

- أن هذا عند الرغبة في الزواج : قال ابن القرطبي المالكي:«‌في ‌هذه ‌الآية ‌دليل ‌على ‌جواز ‌أن ‌ينظر الرجل إلى من يريد زواجها». [تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (14/ 221)]. وقال القاسمي: «دليل على جواز النظر ‌من ‌الرجل ‌التي ‌يريد ‌نكاحها ‌من ‌النساء». [تفسير القاسمي محاسن التأويل (8/ 98)]. فاستدل بها العلماء على من يريد الزواج لا عن جواز كشف الوجه، ودليل هذا سياق الآية، فهي تتحدث عن الزواج، ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ ‌حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: 52]. 
- الخطاب في الآية موجه للنبي ﷺ لا لغيره، وقد كانت المؤمنة تعرض نفسها على النبي ﷺ ليتزوجها [صحيح البخاري (7/ 13 ط السلطانية)]، فحتى لو حصل هذا فليس للنبي ﷺ الزواج منها، لأنه حرم عليه الزواج على نسائه أو طلاقهن، فقد قال جل شأنه :﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ ‌حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: 51-52]. وفي حديث المرأة الخثعمية التي كشفت وجهها، إنما كان ذلك لأن وليها عرضها على النبي ﷺ فعند أبي يعلى :«فجعل ‌يعرضها ‌لرسول الله ﷺ رجاء أن يتزوجها». [مسند أبي يعلى (12/ 97 ت حسين أسد)]. فحتى لو حصل هذا بعد الآية لم يكن الزواج بعد التحريم.

- أن قوله سبحانه {ولو أعجبك حسنهن} على فرض ذلك لا أنه واقع، قال الطاهر بن عاشور :«وجملة ولو أعجبك حسنهن في موضع الحال والواو واوه، وهي حال من ضمير تبدل. ‌ولو ‌للشرط ‌المقطوع ‌بانتفائه وهي للفرض والتقدير وتسمى وصيلة، فتدل على انتفاء ما هو دون المشروط بالأولى، وقد تقدم في قوله تعالى: ولو افتدى به». [التحرير والتنوير (22/ 80)]. ومن ذلك قوله :﴿قُلْ إِنْ كَانَ ‌لِلرَّحْمَنِ ‌وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: 81].

- أن الحُسن لا يتعلق بالنظر، فقد يكون بالنظر للشاخص، فقد تعجب بامرأة لا ترى منها شيئا، ويكون أيضا بالوصف والاشتهار، كما قال ابن حزم:
ويا من لامني في حب من لم يره طرفي .. لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف.
فقل هل تعرف الجنة يوما بسوى الوصف؟. [طوق الحمامة لابن حزم (ص118)].
لذا نهى النبي ﷺ أن تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، قال ﷺ : «‌لا ‌تباشر ‌المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها.». [صحيح البخاري (7/ 38 ط السلطانية)].

- القول أن النظرة لا تعرف بمعناها المعهود ليس صحيحا، فعن المغيرة بن شعبة، قال:«أتيت النبي ﷺ، فذكرت له امرأة أخطبها  فقال: اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما. قال: فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول رسول الله ﷺ، فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله ﷺ، أمرك أن تنظر، فانظر، ‌وإلا ‌فإني ‌أنشدك، كأنها عظمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها: فتزوجتها، فذكر من موافقتها». [مسند أحمد (30/ 66 ط الرسالة)]. فالمغيرة لم يتمكن من النظر إليها، فجاء للنظرة الشرعية، ولم تمكنه من النظر إلا بعد التشديد عليه، ولو كانت الصحابيات يكشفن وجوههن ما احتاج إلى كل هذا.

المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.