الطعن في العلماء بحجة الجرح والتعديل
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله، شيخ قاسم، رأينا من يطعن في الشيخ أبي إسحاق الحويني، وتعجبت كيف يشمتون بموته، وقد رأيت من يقول أن هذا من عمل السلف وأنه داخل في الجرح والتعديل، فما هو الصواب فيما نراه بارك الله فيكم؟ هل فعلا الطعن في الشيوخ علم؟ وهل علينا ترك الأخذ عنه؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
الطعن في العلماء بحجة الجرح والتعديل إنما هو مطية لأسباب كثيرة يريدها المداخلة (هنا)، فجعلوا من الطعن واللمز مهنة لهم كما قال العلامة بكر أبو زيد الذي انقلب عليه المداخلة :«أنك ترى الجراح القصاب كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم ذبيحا، فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شعب الإيمان؟!».[تصنيف الناس بين الظن واليقين(ص 22)].
فما يفعلون بعيد عن علم الجرح والتعديل لأمور:
-الجرح والتعديل بمعناه الخاص داخل تحت علم رجال الحديث، وهو مختص ببيان حال رواة الحديث والحكم على درجة حالهم بألفاظ مخصوصة مدونة عندهم، وهذا العلم انتهى مع أصحابه، قال السيوطي :«إن كثيرا ممن جرحهم لا رواية لهم فالواجب فيهم شرعا أن يسكت عن جرحهم ويهمله. وثانيا إن الجرح إنما جوز في الصدر حيث كان الحديث يؤخذ من صدور الأحبار لا من بطون الأسفار فاحتيج إليه ضرورة للذب عن الآثار ومعرفة المقبول والمردود من الاحاديث والاخبار». [الرفع والتكميل (ص65)].
-لا يذكرون إلا السيئات ولو كان الرجل له من النفع الكبير، عن محمد بن سيرين قال :«ظلما لأخيك أن تذكر فيه أسوأ ما تعلم منه، وتكتم خيره». [الزهد لوكيع (ص775)]. وانتقد الذهبي عمل ابن الجوزي في ترجمة أبان بن يزيد العطار، قال الذهبي :«وقد أورده أيضا العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثقه. وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح، ويسكت عن التوثيق». [ميزان الاعتدال (1/ 16)].
-يختارون أسوأ الألفاظ وأقبحها، عن المزني قال:«سمعني الشافعي يوما وأنا أقول: فلان كذاب. فقال لي: يا أبا إبراهيم، اكس ألفاظك أحسنها، لا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء». [الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ ت الظفيري (ص231)].
-يحكمون على الرجل بالبدعة لمجرد أنه جالسَ من يخالفهم! مع أن شيخهم الرحيلي جالس علماء المجلس العلمي وهم أشاعرة! لكن العلماء لم يردوا رجلا لمجرد هذا، فداود بن أبي هند إمام السنة وموسى بن سيار من أئمة القدرية كانا صديقين، وسليمان التيمي إمام أهل السنة والفضل الرقاشي إمام المعتزلة كانا صديقين، ومحارب بن دثار أحد أئمة أهل السنة، وعمران بن حطان أحد أئمة الصفرية من الخوارج كانا صديقين. [رسائل ابن حزم (2/ 113)]. ولم يطعن العلماء في من كان من أهل السنة لمجرد صداقته مع مبتدع حتى لو كان فعله خطأ.
-يردون علم الرجل لمجرد خطأ له بل لمخالفتهم له، مع أن ابن سيرين يروي عن عمران بن حطان وهو من الخوارج. [مسند أحمد (41/ 10 ط الرسالة)]. وعن معبد الجهني وقد رمي بالقدر. [سنن الدارقطني (1/ 307)]. وسئل مالك :«كيف رويت عن داود بن الحصين، وثور بن زيد، وذكر غيرهم، وكانوا يرمون بالقدر؟ فقال: إنهم كانوا لأن يخروا من السماء إلى الأرض، أسهل عليهم من أن يكذبوا كذبة». [إكمال تهذيب الكمال - ط العلمية (2/ 41)]. وقال ابن تيمية :«والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلا عن الرافضي- قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق.». [منهاج السنة النبوية (2/ 342)].
-من العجيب شماتتهم في موت من يخالفهم حتى لو قتل على يد الصهاينة! قال ابن تيمية:«ألا ترى أن أهل السنة وإن كانوا يقولون في الخوارج والروافض وغيرهما من أهل البدع ما يقولون، لكن لا يعاونون الكفار على دينهم، ولا يختارون ظهور الكفر وأهله على ظهور بدعة دون ذلك». [منهاج السنة النبوية (6/ 375)].
-يبالغون في تزكية علمائهم لغيرهم، ومعلوم أن التزكية لا تعصم، بل الأعجب أن الشيخ الألباني أثنى على الحويني! فقد ذكر أنه قوي في الحديث[سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 720)]. وكان دائما يلقبه بالأخ!. بل الألباني أثنى على سيد قطب والمودودي!. [الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام (ص91)].
فالشيخ الحويني من أهل السنة، وعالم من علماء الحديث، ونقول كما قال ابن عثيمين :«لا يكن همكم أن تقولوا: العالم الفلاني أيش فيه! العالم الفلاني أيش فيه! لا، دعوا هذا، اتجهوا لطلب العلم والعمل به ودعوا الناس، العلماء ما منهم أحد معصوم، كل يخطئ ويصيب، فمن أخطأ لم نقبل خطأه ومن أصاب قبلنا صوابه..». [لقاء الباب المفتوح (225/ 32)]. ثم ذكر الأدلة على ذلك من القرآن والسنة.
المجيب: د. قاسم اكحيلات.