التعقيب على كتاب : قضايا نسائية لوصال ثقة

كتبت الأستاذة وصال ثقة منشورا يتحدث عن عمل المرأة وعلاقتها بزوجها، وهو عبارة عن خلاصة لما دونته في كتابها (قضايا نسائية، قراءة في تراث الآل والأصحاب). بتزكية الدكتور: عصام المراكشي!.
 ولم تكن في الحقيقة محققة فترجح ولا مقلدة فتلتزم مذهبا واحدا، وإنما انتقائية تختار ما يوافق المَخرج الفقهي المناسب على أي مذهب كان، مع كثرة الأخبار الضعيفة كما في ذكر قصة عمر مع تلك المرأة في المهر (ص:36). وخبر أم عمارة التي كانت تقاتل مع النبي (ص:38). وقصة رضاع النبي ﷺ لتبرير رمي الأطفال في الحضانات (ص:73). وغيرها من الأحاديث الضعيفة ليس المقام لجردها ولا لمناقشة الكتابة، ولكن فيما يتعلق بالمنشور :
 
-     ذكرت بأن عمل المرأة هو الأصل وأن من ينكر ذلك لا علم له ولم يحط بالشرع ولا بالتاريخ!. ثم ذكرت قصة أسماء بنت أبي بكر التي كانت تخدم الزبير زوجها: تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته..
    وحقيقة هذا استدلال محرج ينسف دعوى الإحاطة، لأن هذا كان قبل فرض الحجاب أصلا كما ذكر ابن حجر، ووجه ذلك أن الأرض المذكورة كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة.[راجع الفتح.323/9]. فالاستدلال بالقصة باطل، فهو كالاستدلال بشرب الخمر قبل تحريمها وعلى التبرج قبل نزول آية الحجاب. ولا نعلم حقيقة قياس هذا على عمل المرأة على ما فيه من مفارقات كثيرة. نقلت النوى يوما فأخرجوها للعمل دوما!.

-    ثم ذكرت ما يشاع من كون الصحابيات كن طبيبات، وهذا أيضا محرج يكشف عدم الإحاطة بالنصوص الشرعية، وقد سبق لنا بينا كون الصحابيات كن طبيبات (هنا).
-    تعلم كل ما تظن أنك ستحتاجه يوما، فالمرأة لا بد أن تحصل على شهادة في نظرها، وذلك لأمرين :
الأول لكي توسع مداركها!. وهنا خلطت بين التعلم والتمدرس، فليس شرطا أن تماعك الرجال لتتعلم.
الأمر الثاني أن تحتاط لمستقبلها!. فقد يموت الوالد ويطلقها الزوج..!.
عجيب.. الله الذي يرزق الكلب على خساسته لن يرزق المؤمنة العفيفة؟. ثم لنتحدث بنفس المنطق.. ماذا لو أخدت شهادة ولم تعمل؟. ماذا لو عملت وأوقفوها عن العمل؟. هكذا تحول الخطاب من تعلق القلب بالله إلى تعلقه بالشواهد!. وقد بين أيضا ظاهرة الفكر المادي للرزق (هنا).

وتقول الكاتبة :"مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم كان مختلطا".(ص77). وهذه فرية عظيمة واتهام باطل بيناه قديما -في  كتاب (هنا).
 
-     قصص الصحابيات لا تعج بعملهن ولا في مساعدة أزواجهن كما تحاول أن تصور لنا، إلا في حالات نادرة عند
 الفقر والضرورة كزوجة ابن مسعود، فليس من الأمانة استعمال ألفاظ التهويل دون ذكر تلك الروايات وتمحيصها.
 
-    لا شك أن المسلمة ستضيف قيمة أكبر لو ظلت في بيتها تنشئ جيلا صالحا، لذا لما قالت تلك المرأة يا رسول الله : رب الرجال ورب النساء الله عز وجل، وآدم أبو الرجال وأبو النساء، وحواء أم الرجال وأم النساء، وبعثك عز وجل إلى الرجال والنساء، فالرجال إذا خرجوا في سبيل الله فقتلوا فهم أحياء عند ربهم يرزقون، وإذا خرجوا فلهم من الأجر ما قد علمت، ونحن نخدمهم ونحبس أنفسنا عليهم، فماذا لنا من الأجر؟. فقال لها رسول الله ﷺ : أقرئي النساء مني السلام وقولي لهن: إن طاعة الزوج تعدل ما هنالك، وقليل منكن تفعله".[حسن رواه ابن أبي الدنيا.العيال.528]. لم يقل فلتخرجن أيضا وتساعدن الرجال، فالنبي ﷺ لا يرشد إلا إلى لأفضل.
 
-    النفقة لا تسقط عن الرجل ولو كان صاحبة راتب ليس صحيحا بإطلاق. نعم الرجل يجب عليه أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية لكن له أن يطالبها بالمشاركة في النفقة إذا كانت تعمل، لان الوقت حق للزوج، قال النبي ﷺ :«واستوصوا بالنساء ‌خيرا، ‌فإنما ‌هن ‌عوان عندكم». [سنن الترمذي (2/ 455 ت بشار)]. وقد سبق لي التفصيل في نفقة المرأة العاملة (هنا).

-    اختيار المهنة يكون وفق طبيعتها، فما هي هذه المهنة؟. لم استنكرت مهنة الشرطية والعاملة في البناء!. ما الضابط في هذا الانتقاء، مع أنها أعمال مختلطة.
-    إذا اشترطت على الرجل الاستمرار في عملها فيجب عليه الوفاء ذلك، لكن يحل له التراجع إذا كان عملها مختلطا أو فيه ما يخالف شرع الله أو ما فيه هضم لحقه، لقوله ﷺ : ما بال أقوام يشترطون شروطا، ليس في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فليس له، ‌وإن ‌اشترط ‌مائة مرة». [صحيح البخاري (1/ 98 ط السلطانية)]. فكل شرط يخالف حكم الله في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ ، فلا يلزم الوفاء به ، وهو شرط لاغ، قال ﷺ: «والمسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا ‌أو ‌أحل ‌حراما». [سنن الترمذي (3/ 27 ت بشار)].
 
-    للزوجة ذمة مالية مستقلة لها التصرف في مالها وفق رغبتها ولا يشترط إذن الزوج إلا على وجه حسن العشرة، كذا قالت !. لكن لم تذكر كعادتها أن المالكية قالوا لا يحل لها إلا الثلث، وما زاد عنه فلا بد من إذن الزوج!.
 
-    له أن يشترط علي العاملة ترك عملها، وهذا لا شيء يمنعه، فكما أن الحق معها في اشتراط عدم التعدد وتركها تعمل، فله أن يشترط عليها ترك العمل، وهذه ليست ذكورية كما سمتها بل رجولة، فكيف تستنكر على المرأة التي تدعو إلى التعدد بحجة أن ذلك يخالف غيرتها، ولا تقبل على الرجل اشتراط ترك العمل لأنه يوافق غيرته!.
فليس من الحكمة أن ينتقي الكاتب من الفقه ما يشاء ومن النصوص ما يخدم فكرته دون مناقشتها غير متأثر بمحيط أو ثقافة، والكتاب مليء بمثل هذا، وما يتعلق بتراث الآل والأصحاب لم تعتمد الصحة في النقل..